عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-11-2012, 12:53 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي من روائع الجدال الحَسَن في تاريخنا...

مِنْ رَوَائع الجدَال الحَسَن في تاريخنا...

هناكَ مجهوداتٌ تـُبْذلُ-سِــرًّا وعلانية ً-منذ أمدٍ،يقومُ بها خصومُ الإسلام التقليديين ( من شرق العالم وغربه ) ، ويُروِّجُ لها كثيرٌ من الأعوان-من أبناء جلدتنا للأسف-في الداخل،وتتمثل في تقديم تاريخ الإسلام الفكري والسياسي على أنه صفيحٌ من التحجر والتزمت والانغلاق،ومن أنه دينٌ يقومُ على أساس الحجر الفكري والقمع الإرادي...

وفي غياب العقل الإسلامي الجمعي اليَقِظِ الذي أصيبَ-منذ المائة السابعة إلى الآن-في مقتله،بسبب الانحرافات التي تتالتْ عليه،فأصابتِ العقلَ،وشلـَّتِ انطلاقتـَه-أو تكاد-بحيث صارَ من الشلل أنه غــدَا أعْجَزَ من أن يغربلَ ويُمَحِّصَ،فداخله دخـــنٌ كثيفٌ،حجب عنه الرؤية،وحال بينه وبين أن يرى الحقائق الناصعة في التاريخ الإسلامي بالصورة التي تعطي انطباعاً أن ديننا كانتْ له جوْلاتٌ وصوْلاتٌ شامخة في مجال حرية الفكر والاعتقاد والجدال الحسن والتناظر المثمر..في غياب هذا العقل الجمعي كان لابد من الدوران دورةً سريعة ومكثفة في بطون مدوناتِنا التاريخية المليئة كنوزاً ودُرَراً ولآلئَ علنا نعيدُ في أنفسنا ألـَقَ ذلكَ العقل الغائب الذي رباه الإسلام على هداهُ ووضعَهُ-لقرونٍ طوالٍ-على صدارةِ القيادةِ الفكريةِ والإنسانيةِ والحضاريةِ للدنيا بأسرها...

كنتُ أقرأ في موسوعة ( عيون الأخبار ) للعلاَّمة الكبير المؤرخ ابن قتيْبة رحمه الله ، فإذ بي أجدُ نفسي أمام هذه القصة العجيبة التي تخللها حِـوَارٌ شامخٌ بين خليفةٍ من خلفاء المسلمين زمن بني العباس و رجل كان مسلماً،ولكنه لأمْــرٍ مَّا ارتدَّ عن الإسلام وجاهرَ بكفره،فسِيق به للخليفة لينالَ عقوبته،ولكنَّ خليفة المسلمين رأى أن يُحاوره أولاً على المـــلأ،حتى يقيم عليه الحجة َبعيداً عن أي ضغطٍ أو إكراه...

لقد بَهَـــرَني شخصيًّا المستوى الفكري والحضاري السامق الذي كان يحاورُ به حكامُ المسلمين مخالفيهم في ذلك الوقت،وغاظني أنْ تـُطوَى هذه الصفحاتُ النيِّرَاتُ اليومَ أمام الأجيال المسلمة المعاصرة،ولكأنَّ هناكَ تعتيماً متعمَّداً مِنْ أن لا يُقدَّمَ التاريخُ الفكري للمسلمين إلا بصورة كالحةٍ سوداء..

الخليفة ُكان عبدَ اللهِ المأمون بن هارون الرشيد..الخليفة السابع في ترتيب خلفاء بني العباس،وقد حكمَ المسلمين من سنة 198 هجري إلى سنة 218 للهجرة...

جـــيءَ له بالرجل المرتد عن الإسلام إلى النصرانية..فكان بينهما حوارٌ،إليكموهُ-أحبتي-وليسَ لي فيه فضلٌ غيْرَ شرف النقل،على أن تستمتعوا معي بطريقةِ أسلافكم الأوائل في مجادلة الغيْر بالحجةِ والاستقراءِ والاستدلال وبأسس المحاججة العقلية الرصينة...

قال له : (( ...أخبرْنا يا رجل عن الشيء الذي أوْحشكَ عن ديننا بعدَ أنسِكَ واستيحاشكَ مما كنتَ عليه ، فإنْ وجدتَ عندنا دواءَ دائكَ تعالجتَ به ، وإنْ أخطأكَ الشفاءُ ونبَا بكَ عن دائكَ الدواءُ،كنتَ قدْ أعذرتَ،ولمْ ترجعْ على نفسكَ بلائمةٍ..فإنْ قتلناكَ قتلناكَ بحُكم الشريعة،وترجع أنت في نفسكَ إلى الاستبصار والثقة،وتعلم أنك لم تقصِّرْ في اجتهادكَ،ولم تفرِّط ْ في الدخول في باب الحـــزم... ))..

قال الرجلُ المرتد : أوْحَشنِي ما رأيتُ من كثرةِ الاختلاف فيكم..[ يعني كثرة الخلافِ المذهبي ]...

فابتسمَ المأمونُ،ثم أطرق قليلاً،وقال : (( أما الخلافُ فهو واردٌ،ولنا اختلافان ؛ أحدُهُما كالاختلاف في الآذان والإقامة،وتكبير الجنائز والتشهد،وصلاة الأعياد وتكبير التشريق،ووجوه القراءات،ووجوه الفتيا..وهذا ليس باختلاف،إنما هو تخييرٌ وسَعَة ٌوتخفيفٌ من المحنة،فمَن أذنَ مَثنى وأقامَ مَثنى لمْ يُخطئ،ومَنْ أذنَ مثنى وأقامَ فرادى لم يُخطئْ،ولا يتعايرون ولا يتعاتبون بذلك...وأما الاختلاف الآخر،كنحو اختلافنا في تأويل الآيةِ من كتابنا،وتأويل الحديث مع اجتماعنا على أصل التنزيل،واتفاقنا على عيْن الخبر..فإنْ كان الذي أوْحَشكَ هـــذا حتى أنكرتَ له هذا الكتاب،فقد ينبغي أن يكونَ اللفظ لجميع التوراة والإنجيل متفقاً على تأويله،كما يكون متفقاً على تنزيله،ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلافٌ في شيءٍ من التأويلات،وينبغي لكَ ألاَّ ترجعَ إلا إلى لغةٍ لا اختلافَ في تأويلها من لفظِها،ولو شاءَ اللهُ أن يُنزِّلَ كتبَهُ ويجعلَ كلامَ أنبيائه ورثة َرسله لا تحتاجُ إلى تفسير لفعَـــلَ،ولكنا لمْ نرَ شيئاً من أمْر الدين والدنيا وقعَ على الكفاية،ولو كان الأمرُ كذلكَ لسقطتِ المحنة ُوالبلوَى،وذهَبَتِ المسابقة ُوالمنافسة ُ،ولمْ يكن تفاضُـلٌ،وليسَ على هـــــذا بنـَـى اللهُ سبحانه وتعالى أمْرَ الدنيا..!!! ))....

فقالَ المرتــدُّ : (( أنا أشهد أن لا إله إلا الله،وأن محمداً رسولُ اللهِ،وأن المسيحَ عبدُ اللهِ..وأنكَ أميرُ المؤمنين حَقـًّا..!!! ))...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 29-11-2012 الساعة 10:45 PM
رد مع اقتباس