عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-09-2012, 11:36 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي .../...

...طبعاً..طبعاً-أختي البديعة الفاضلة قــوافي-أفي اللهِ شَكٌّ..؟؟!!!

مَنْ يا تُرى سيتحاملُ على حشاشةِ مُهْجتِهِ التي تسْتكِنُّ بين جوانِحِهِ،فيَلوي في داخلِها لوعَة الحنين والتحنان إلى عَبَق المكان الذي نبتتْ فيه-أولَ ما نبتتْ عَرائسُ أيامه وبواكيرُ أحلامِه-قبلَ أن تزحَفَ به السنونُ وترمي به الأقدارُ-الباسمة أو الباكية-من حال إلى حال..؟؟!!!

لقد وُلِدنا-أختاه-في أمكنتِنا الأولى التي وُلِدْنا فيها،وفتحنا أعيُنـَنا-ونحن صغارٌ-ليَحتوينا البيْتُ الأولُ..والحارة الأولى..والحَيُّ الأولُ..والمدرسة الأولى..فكان أن انطوَى في تانِكِ الأمكنة الأولى عالـَمُنا الزمُرُّدِيُّ الأولُ الذي انطبعتْ مَلامِحُهُ التليدة وانغرزتْ في القلب والعقل والكِيَان،وراحَ العقلُ الباطنُ يختزنـُها خلفَ الوعي والمشاعر،كأنما هيَ تعويذة ُالإكسيرِ الحياتي التي نرحَلُ إليها ونلوذُ كلما صاحَ في أعماقنا حادي الشوق والحنين إلى أعذب وأنضر وأرقِّ اللحظاتِ في كشكول أعمارنا...!!!

أيْ نعَمْ أختي البديعة...البيْتُ الأول الذي دَرجنا فيه ولعِبْنا ونططنا وضحِكنا وشاكسنا وعبثنا...له دائماً في مشاعرنا-الباطنة والظاهرة-نكهَة خاصة..ومَذاقٌ خاصٌّ..وحنينٌ خاصٌّ..وعذوبة خاصة...

واللهِ أعترفُ صادقاً...ها أنا ذا..وسفينة عُمْري تلِجُ الثالثة والأربعين..وشأني في حياتي هو شأنُ كل الناس..لا أزعُمُ في ذلكَ استثناءً أو استثلاثاً..فارقتُ بيت العائلة والحي والقرية الحبيبة الهادئة بحكم الدراسة..الطموح العالي في الدراسة...العمل والوظيفة والرسالة التربوية التي أكرمتني المقاديرُ بها..وسكنتُ المدينة الكبيرة..وتزوجتُ بمن أحببتُ..وأضاءَ اللهُ حياتي بأسرتي الصغيرة وأولادي الثلاثة الذين أناروا بيْتي ودنيايَ وأحلامي بكل ما كنتُ آمُلُ وأكثر..والحمد لله رب العالمين حمداً يلهَجُ به لساني ويَخفق به قلبي وجَناني صباحَ مساء..وصحيحٌ أن الحياة الدنيا لا تعطي للمَرْءِ كل اللوحة الوردية التي تطرِّزُها ريشة الأمل الطموح كما يأمَلُ القلبُ ويتمنى،إذ أن للحياة تصاريفَ واقعية لا مناص أبداً من الانسجام والتكَيُّفِ مع إيقاعِها إلا أنني-والحمد لله-لم تذهبْ دعواتي ولا كثيرٌ من طموحاتي المشروعة في حياتي هباءً أو عَبثاً،وما عَدَا ذلكَ سأتكتمُ على الحرمان منه بشهْدِ الرضى واليقين والسكينة والطمأنينة...

بيْتٌ جديدٌ قامَ في حياتي كأيُّها من الناس..رُحْتُ أرعاهُ وأبنيه وأحتضنُ داخلَ حضنه الدافئ أسرتي الصغيرةِ بالحب والرحمةِ والسكينة،وأبذلُ طاقتي داخله أن تسْعَدَ زوجتي الحبيبة وزنابقي الصغار بكل ما أوتيتُ من جهدٍ وعَزْمٍ وإخلاصٍ وصِدقٍ وتضحيةٍ،لا أدخرُ لنفسي حَيَالـَهُمْ وُسْعاً في عاطفةٍ أو مادةٍ...

بَيْدَ أني أعترف-أختي-صادقاً..في غيْر ما مبالغةٍ أو تقتير..وبعيداً عن مماحكاتِ الرمزية الشعرية وصنعتِها البلاغية التي قد يختلقـُها المبدِعُ عادة ًلتشحيم إبداعه...!!

بعيداً عن كل هذا..أعترفُ أن حياتي وبيتي الجديد اللاحق-في أعماق مشاعري-في كُــومٍ..وبيتي السابق الذي ترعرعتُ فيه ونشأتُ صغيراً مع والديَّ وإخوتي هناكَ في كُــومٍ آخر...!!!

وأقسِمُ ما من مَرةٍ قادتني إليه دواليبُ السيارة زائراً-رفقة والدتي الحبيبة حفظها الله تعالى أو رفقة إخوتي وأخواتي اللواتي توزعْنَ على منازلهن وحياتهن وبيوتاتهن وأزواجهن وأولادهن-وما أذكرُ مرة اجتمعنا فيه هناك إلا وتفجَّرَ فينا جميعاً الحنينُ القديم..والذكريات القديمة..والوجد القديم..وما نلبثُ أن تتهاطلُ هواطلـُنا جميعاً بزخاتِ الدموع الهاميات..!!

هنا كان والدي رحمه الله يصول ويجول..وهنا كان مجلسُ العائلة..وفي تلك الركنة كنا نلتفُّ حول مدفئة الشتاء القارس حيث كانت جدتي رحمها الله تحكي لنا حَكَايَاها الخالداتِ حول أحداث ثورتنا الكبرى أو قصصها التي تشبه المقامات،فما نلبث ننامُ-تحت ضوء الفانوس الباهت-ولا نستيقظ باكراً إلا على أديم الثلج الأبيض يملأ الآفاقَ في يوم من أيام كانون الثاني أو شباط...!!!

هنا كنتُ أشاكسُ إخوتي..وهناك خلف دارنا حيث كانت أشجارُ المشمش والتين والتوت تحكي للدنيا مَرَحَ طفولتنا،وإن كنتُ سأنسى فلن أنسى أبداً يومَ اعتليتُ أعلاها سموقاً طمَعاً في الوصول إلى أعشاش عصافير أبي الحِناء الرمادية فسقطتُ..وتضعضعتُ..وانكسر كاحلي أو ترضرضَ،لا أذكرُ بالضبط..!! وما أزالُ أتذكرُ صراخَ أختي الصغرى-وقد تخرجت الآن من الجامعة وتأهلتْ وتزوجت وأنجبتْ-ما زلتُ أتذكرُ صراخَها البريئ وهي تحاولُ إنهاضي من كبوتي المؤلمة...!!!

واللهِ-أختي-أدخلُ الدارَ الآن..فتنقبض أنفاسي..وتنهزمُ هيبة السنون التي تعتليني..وأودُّ..بل وآمُلُ وأتمنى لو يعودَ الزمانُ القهقرى إلى وراء حتى ترشُفَ مشاعري الظمآى ولو لحظة من تلكَ الأيام الزاهرة التليدة...

فمَنْ يا ترى..سيتجرأ..ويزعم أنه قد تخلصَ من عبءِ الذكريات التليدة التي احتواها البيْتُ الأولُ واحتوتها الحياة الأولى-مهما كانتْ بسيطة وساذجة،بل وربما قاسية ومليئة بالحرمان-لمجرد أنه اليوم سَكنَ القصورَ وركبَ الميموزين وتناولَ عَشاءَ العمل بإتيكيتِ الشيراتون والهيلتون والميناهاوس خمس نجوم..؟؟!!

رحِمَ اللهُ مجنونَ بني عامر..قيس بن الملوَّح العامري..واللهِ لقد جادَ بنفسه بما لمْ يَجُدْ به غيرُهُ حين شدَا-وهو هائمٌ-:

أمُرُّ على الديار ديار ليلى ** أقبِّلُ ذا الجدارَ وذا الجـــدَارَا
وما حُبُّ الديار سَكَنَّ قلبي ** ولكنْ حُبَّ مَنْ سَكنَ الديَارَا..!!


أو حين شدَا :

نقـِّلْ فؤادَكَ حيثُ شئتَ من الهَوَى ** ما الحُبُّ إلا للحبيب الأوَّلِ
فكمْ منزلٍ في الأرض يألفُه الفتى ** وحنينـُهُ دوماً لأول منزلِ..!!


إنه الحنين الفطري..والشوق الفطري..واللهفة الفطرية إلى البيوت وساكنيها معًا..!!

فما أقساهُ وأشجاهُ-أختي الفاضلة-حنيناً وجَوًى لاذِعاً للحبيب الأول..والبيت الأول...!!

وما آلمَهَا-واحَــرَّ قلبَاهُ-مشاعرَ وأحاسيس بالعجز والافتقار إلى الرحيل إليهما مرة أخرى...!!!

أدفعُ عمري وما أملك لو ساغَ وجادَ الزمانُ دقيقة واحدة مما مَضى...!!!

ودمتِ-أختي قوافي-مبدعة ًفي آرائكِ النقاشية العذبة...
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!


التعديل الأخير تم بواسطة يزيد فاضلي ; 22-09-2012 الساعة 01:56 PM
رد مع اقتباس