الموضوع: حورية الأشخرة
عرض مشاركة واحدة
  #38  
قديم 16-09-2012, 09:46 AM
رحيق الكلمات رحيق الكلمات غير متواجد حالياً
كاتبة مميزة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: في قلوب أحبتي أحيا بصمت
المشاركات: 2,212

اوسمتي

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بيت حميد مشاهدة المشاركة

(9)

ما أعجب حال العاشق!، لقي نسي تعبه وجوعه وها هو يمشي على الشاطئ في الإتجاه الذي ذهبت فيه معشوقته، أي ابتسامة حالمة تعلو شفتيه، ينعكس ضوء القمر في عينيه البراقتين بسعادة تكفيه لو عاش ألف عمر ......... مشى لمسافة طويلة، كان يحس بالريح الباردة نسيماً عليلاً......كان يتخيل أن نسيم الريح مرّ بها وتعطّر من رائحتها، كان يعبّ منه قدر ما تتسع رئتيه.

دعوني أقول كلمة حق هنا، بقدر ما قرأت من كلام العشاق إلا أني كنت أعتقد أنهم يبالغون، لكن ما أراه أمامي يثبت لي أن العشق يفعل الكثير الكثير.

إنها الساعة الثامنة والنصف ليلاً، وهو مازال يمشي على إثرها، كان يقف كلمّا تخيل أنه سمع ثغاء عنز، مرّ بكل قوارب الصيادين المقلوبة على الشاطئ يفتش بينها لعله يجدها، لم يتحرج أن يتجه لإحدى العائلات التي كانت تتناول العشاء عند إحدى المظلات.......في البداية ارتاعوا من منظر الدماء على ثيابه، ثم لمّا تكلم ليسألهم عن فتاة جميلة تحمل جدياً صغيراً وتتبعها عنز ظنّوا أنه مجنون وطلبوا منه الذهاب.......لم يأبه لهم على الإطلاق وواصل السير.

بعد السير لأكثر من ساعتين انقطع الشاطئ الرملي ووصل لجرف صخري، لكن أي جرف صخري هذا الذي سيصدّ عاشقاً عن معشوقته.....هكذا قال لنفسه وهو ينظر للجرف المرتفع.......وبدأ بتسلق الجرف، كان ينزلق أحياناً على الصخور الملساء، أصيب ببعض الخدوش في ساقيه.....لكنه واصل الصعود. عند منتصف ارتفاع الجرف بدأت ساقيه تتهاوى من الجوع ومن التعب الذي لم يكن يشعر به قبل الآن. عند محاولته القفز من على أحد الصخور سقط ، حاول النهوض لكن قدماه لم تطاوعاه......قرر إراحتهما لوقت قصير والتأمل في القمر أثناء ذلك لعله يرقّ له ويخبر الحسناء عن حاله.

جلس واستند لصخرة ووجه وجهه للقمر، أغمض عينيه مستشعراً خيوط الضوء على وجهه.......وهو مغمض العينين أحس بخفوت ضوء القمر، فتح عينيه ليرى تصاعد سحب الضباب من البحر، بعضها كثيف يحجب الضوء، وبعضها شفاف يسمح بمرور الضوء الذي يتراقص على الأمواج، وأحياناً تنقشع السحب فتمتلئ الدنيا بالنور.........القمر والأمواج والسحب والريح أحس أنهم علموا بعشقه، وأنهم يحيون حفلاً خاصاً له بتلك المناسبة. ما أثار استغرابه واندهاشه هو نقطة محددة في البحر، لم تكن تلك النقطة تبعد كثيراً عن الشاطئ، العجيب فيها أنها كانت مضيئة دائماً حتى عندما يحتجب القمر وراء سحابة داكنة.

قليلاً قليلاً بدأ يتضح له صوت سيارة تتقدم نحو حافة الجرف من الأعلى، اقتربت السيارة من الحافة حتى تمكن من سماع صوت دوران الإطارات على الأرض الصخرية، للحظة خشي أن السائق غير منتبه وأنه قد يهوي بسيارته فوقه. توقفت السيارة ونزلت منها أقدام تخيل أنها تقترب من بعضها.......كانا رجل وامرأة، بالطبع لم يتعمد هو استراق السمع ولم يشأ كذلك أن يزعجهما.....وقفا للحظة في صمت ثم قالت المرأة تخاطب الرجل

-قل لي كلاماً جميلاً، أريد أن أحس أني مميزة.

كانت تقول ذلك في دلال وهي تعبث بقطعة حلي تزيّن جيدها، هكذا تخيل ........أجابها الرجل

-أمهليني قليلاً حتى.........

لم يستطع الرجل إكمال جملته، فقد انهارت به الصخرة التي كان يقف عليها ومرّت به الصخرة منزلقة بالقرب من حميد متجهة لأسفل الجرف.......دوّت صرخات المرأة من الأعلى وهي تستغيث، ويبدو أنه كان هناك غيرهم فوق الجرف فهبّ بعض الرجال بسرعة للنزول بحثاً زوج المرأة المسكينة، أخذت حميد المفاجأة ولم يعرف ما يفعل سوى محاولة إخفاء نفسه عن الرجال مخافة أن يتهمه أحدهم بالتلصص .......لكن أحدهم لمحه وصاح بالآخرين

-تعلوا.....هنا.....لقد وجدته.

وأسرع الجميع ناحيته وهم يحسبونه زوج المرأة الذي سقط من الجرف، أمسكه كل واحد من طرف وهم يحاولن سحبه للأعلى، كان يتأتأ بالكلمات وهو يحاول أن يشرح لهم أنه ليس من يبحثون عنه........لكن من سيستمع له حينها؟!.....صاح أحد الرجال برجل آخر في الأعلى

-إنه مصاب.....ثيابه كلها دماء....لابد من نقله للمركز الصحي.

كانوا عنيفين جداً وهم يسحبونه فوق الصخور للأعلى، تمنى أن ينتهي هذا الموقف بأي شكل فلزم الصمت وهو متأكد أنهم سيكتشفون خطأهم عندما يصلون للأعلى، لكنهم لم يمهلوه......بمجرد صعودهم وضعوه في سيارة الرجل المسكين وركبت الزوجة بجانبه على الكرسي الخلفي وهي تبكي، قاد أحدهم السيارة وأسرع باتجاه المركز الصحي.

الزوجة المسكينة كانت تضع رأسه في حجرها، وهو قد أخذ منه التعب كل مأخذ، استشعر الدفء في السيارة وليونة حضن المرأة......شعر بالنعاس يداهمه، آخر شيء يذكره هو أن المرأة أضاءت مصباح السيارة الداخلي ونظرت لوجهه، ويا للعجب فقد توقف عن البكاء وتبسمت وعينيها تمتلئ بالسعادة.

أفاق ليجد نفسه على سرير طبي وإبرة محلول التغذية مغروسة في يده، أدرك أنه في مستشفى، من وراء الستار الفاصل سمع أصوات مختلطة، تذكر ما مرّ به البارحة فلم يستطع استيعابه ....... لابدّ أنه حلم، لابد أني من التعب سقطت من على الجرف وأنقذني أحدهم وأما باقي الأحداث فلا شك أنها حلم.....هكذا كان يخاطب نفسه.

لكن يا للعجب، فقد دخلت تلك الزوجة عليه وهي شديدة السعادة، تفرسّ في المرأة.....كانت تبدو في الخمسين من عمرها ومع ذلك كانت ماتزال نضرة وجميلة، لم تقل شيئاً وكأن الخجل كان يغلبها حين تريد الكلام. ثوان ودخل الطبيب، أفسحت المرأة المجال له وهي لا تزال تأكل حميد بعيونها المتسعة......قال الطبيب

-كيف حالك الآن يا سعيد؟

-أنا بخير أيها الطبيب......لكن اسمي هو حميد وليس سعيد.

-حميد!!!....زوجتك تقول أن إسمك سعيد!.....قال الطبيب ذلك وهو يلتفت للمرأة.

-زوجتي!!! من زوجتي؟ أنا لست متزوجاً أيها الطبيب.

-ماذا!!! أليست هذه زوجتك؟!؟!؟.

-لا أيها الطبيب.....قلت لك أني لست متزوجاً.

تغيّر شكل المرأة وبدا عليها الحزن وبدأت الدمعات تتقاطر من عينيها......قالت وهي تجهش بالبكاء

-الآن تنكرني......الآن تتنكر لي يا سعيد...

وانهارت المسكينة على كرسي في الزاوية تغطي وجهها بعبائتها وهي تبكي بشدة. كان الطبيب يقلب نظره بين حميد والمرأة، ثم قال معاتباً حميد

-كيف تنكر أنها زوجتك وهي التي جاءت بك للمستشفى وكانت تجلس بجانبك طوال الليل؟!؟!.
ثم توجه للمرأة واقترب منها وكأنه يسر لها بالقول

-هل صحته النفسية على ما يرام؟

-أخجل أن أتحدث بكل شيء أيها الطبيب، لكني سأخبرك.......كانت إحدى صديقاتي قد نصحتني بأن أذهب بزوجي لشاطئ البحر، وقالت إن الهواء المنعش سيعيده مثل شاب في العشرين، لكن كما ترى.....فعندما عاد شاباً ها هو ينكرني......ما أتعس حظي حين أخذت بنصيحتها، لو كنت أعلم لرضيت به على حاله.
اعتماد ممتاز على الحبكة في هذا الجزء بالذات... خيالك رائع التصاوير مما يعطي متعة للقارئ للمتابعة بشغف ننتظر جديدك بفارغ الصبر الف تحية لك
__________________
رد مع اقتباس