الموضوع: شموع وحجر
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-09-2012, 11:18 AM
غنام غنام غير متواجد حالياً
كاتب جديد
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: حيث مهب الكوووس
المشاركات: 22
افتراضي شموع وحجر




كان في مثل هذا اليوم يطفئ شمعا .. يقسم كعكه .. كتب عليها "سنه حلوة يا جميل" واترابه الصغار
كل يحمل هدية .. تتهادى حديقة البيت بأصوات عذبة كبراءتهم الصافية... وأمه الرؤوفة تصفق بيديها
ترسم فرحا لتبعد ترحا .. تردد اغنية اعياد الميلاد المشهورة .. تمسح ألام الحياة بسعادة هذا اليوم..
صلاح بلغ الثامنة وفي كل عام فرح .. الجيران يحيطون بالطاولة المزينة بأنواع كثيرة من المأكولات
الشعبية المختلفة .. بعضهم مد يديه قبل ان يسيل لعابه والبعض يتصبر مجاملا لحين انتهاء الاغنية ..
لا يختلف صلاح عنهم الا ان امه معلمة وهو ابنها الوحيد .. وتبذل المستحيل لإسعاده .. لكنها تكتمه
سرا .. في نظرها صغير ان يعرفه .. انتهى احتفالهم البسيط بانتهاء المائدة ..

كل صباح يذهب صلاح في زمرة زملائه الى المدرسة التي لا تبعد سوى كيلومتر واحد عن حيهم ببيوته
المحاكية لتاريخ عريق وطرازها الاسلامي الذي ابدعته اياد فنية تذوقت جمال العمارة .. لكن شوهت
مداخل الحي تلك الدبابات المشؤومة .. وغرست في ممراته اجساد كأجساد البشر لكنها سداسية
القلوب تحمل بنادق لا تختلف عن اجسادهم ..

يحكي لهم وائل البالغ الخامسة عشر وهم في الطريق انه كان مكان تلك الدبابة شجرة زيتون لكنها
حُرقت.. وتحت شجرة البرتقال الكبيرة يجلس الصغار حلقا حول العم ايوب يحفظون القرآن .. لكن بقيت
الشجرة واستشهد العم ايوب .. هناك وهناك يرددها وائل .. لكن هذه الصفحة اليومية اعتادها اقرانه
ولو انها تتغير احيانا .. دبابات تتسارع .. وشهيد يسمو .. وولولة عجوز .. والف سؤال وسؤال يدور في
اذهان الصغار ..


يحرص الجميع ان لا تفوته دقيقة من حصة الاستاذ عبدالمجيد مدرس التاريخ والجغرافيا .. بلحيته
الطويلة ونظارته السميكة .. خلفها عينان فقعت احداهما يوما .. يدخل عليهم يحمل لوحة احيطت
ببرواز جميل للمسجد الاقصى علقها بجانب السبورة وعنون درسه صلاح الدين الايوبي مفتتحا بقول
الشاعر :
والمني والم كل حر سؤال الدهر اين المسلمين

ثم ردد "صلاح صلاح " يقفز صلاح الصغير من مقعدة : نعم .. يبتسم عبدالمجيد .. لست انت يا بني
انما اقصد صلاح الدين .. من نفض غبار الذل والهوان .. يا بني صلاح الدين الذي رفع راية "لا اله الا
الله " صلاح الدين وليس
صلاحا .. يكتم أنفاسه سرا ..

وتمضي الايام واشواك الاحتلال تنبت ازهارا ملغمة تنفجر في وجه العدوان وشهداء تتعالى ارواحهم
لتصل الى السماء .. تتسابق الى الجنان .. كل ينتظر دوره .. وجاء من يخلفك يا صلاح الدين .. من دون
الجيوش .. وما اجمل الموت حين تُرفع على الاكتاف وحولك صرخات التوحيد والزغاريد تملا الوجود ..
يقبل المشيعون جبهتك وروحك تشم رائحة الجنة ..

وينكشف السر المدفون في صدر ام صلاح حين صرخت جارتها "النجدة"

يهرع اليها صلاح الصغير يحضن الام الجريحة برصاصة قناص وبصوت لا يسمعه الا
صلاح "الحمدلله يا بني انني مت كما مات ابوك .. ابوك الشهيد" ثم تتشهد وتفارق الحياة .. ويشهق
صلاح وبصوت تشهده اشجار الزيتون المتبقية يصرخ "امااااه"
مظاهرات في كل اتجاه تردد
" صمتا فقد نطق الحجر .. لا مؤتمر لا مؤتمر .. انا لا أريد سوى عمر"
وعيون بنادق العدو حولي لا تفرق بين طفل وعجوز .. بل تلفظ سمومها بلا وعي .. وحين يجتمع ظلام
الظلم وظلام الليل .. تتناثر في الطرقات جثث .. كهل يحتضن عكازه .. امرأة بين يديها خبز الأطفال ..
وكانت هناك جثة طفل صغير .. قارب عمره التاسعة يضم بين أصابعه حجرا .. وروحه اجتمعت بروحين قبله ..
رد مع اقتباس