عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-08-2012, 10:40 PM
الصورة الرمزية يزيد فاضلي
يزيد فاضلي يزيد فاضلي غير متواجد حالياً
عضو هيئة الشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: شرق الجزائر
المشاركات: 1,011

اوسمتي

افتراضي جَمَالُ الخِلاَفِ النقدي بين الدكتور طهَ والأستاذ العقَّاد...

جَمَالُ الخِلاَفِ النقدي بين الدكتور طهَ والأستاذ العقَّاد...


...مع أدبائنا الكبار المعاصرين-وبصرف النظر عن قناعاتهم الفكرية والأدبية التي قد نلتقي فيها معهم أو نختلف-كنا..و مازلنا نجلسُ نستقي من معينهم الزاخر ونغترف من موائدهم العامرة أقباساً وأقباساً من قبيل أن (( الحكمة ضالة المؤمن،أنَّى وجدَها فهو أحقُّ بها ))...

(( الخِلافُ في الرأي لا يُفْسِدُ للودِّ قضيةً ))..عبارَةٌ طالما قرأناها..واكتحلتْ بها عيُونُنا..ودندنتْ بها أقلامُنا...وطالما حاولنا الارتقاءَ-بأرواحنا وأفكارنا-إلى ذُرى معانيها السامية...

بيْدَ أني لاحظتُ أن الشُّقَّةَ بين معانيها وحالِ كثيرينَ منا جِدُّ عميقةٍ وسحيقةٍ،وأنَّ احتدادَ الطبْع وضيقَ الأفُقِ هما السمة الغالبةُ عند وجودِ أدنى تبايُنٍ فكري أو مَبْدَئي بين اثنيْن،يتصدران منصَّةَ الرأي..والرأي الآخر..!!

فهل يا ترى..كان كبارُ أدبائنا المعاصرين ممن مَلَكوا ناصيةَ ( النقد الأدبي )-بلا منازعٍ-في المائة عامٍ الماضية..وربما حتى إلى يوم الناس هذا..هل يا ترى نَبَا بهمُ الفكرُ والقلمُ-وهم في عز خصوماتِهم الفكرية والأدبية-فأسَفَّتْ بهم رعونةُ الخلافِ تجاهَ حرمةِ بعضهم إلى التدني والتَّسَفُّل كما هو الحالُ عند كثيرين للأسف..؟؟!!!

هلموا معي-أحبتي-لنرى هذا النموذجَ الذي يستحق التوقفَ والتأمُّلَ والاستعبارَ...

كلنا يعلمُ الخصومةَ الفكريةَ والأدبيةَ والسياسيةَ التي كانتْ بين عَلَمَيْن شامخين من أعلام اللغةِ والأدب والنقد في القرن الماضي...

بين عميد الأدب العربي الكبير الأستاذ الدكتور طه حسين رحمه الله والمفكر العملاق الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد رحمه الله تعالى...

ولستُ في حاجةٍ إلى الاستدلال والاستشهاد بمواطن النقد والاختلاف الحادِّ بينهما-وما أغزَرَها في قضايا الفِكْر واللغة والأدب-التي خَلَّدَها التاريخُ الأدبي المعاصر..فإن مَنْ لديه أدنى اطِّلاَعٍ أو اختصاصٍ في قضايا النقد لن يُعْوِزَهُ أبداً الكشفُ عن عشراتِ المواقف في مئاتِ الإشكالاتِ الأدبية-وحتى الفكرية- التي كانَتْ للأديبيْن الكبيريْن فيها جوْلاَتٌ وصوْلاتٌ..!!

ومرةً أخرى أؤكدُ أنه لا يَعنيني هنا مَنْ أصابَ فيهما ومَنْ أخطأ..بل ما يَعنيني هنا مَنْ وافقَ منهما قناعتي ومَنْ جانبَها..فليسَ هذا هو موضوعي الذي أطرحهُ في مشاركتي..وإنما الذي يَعنيني هنا هو إبرازُ ما قد يَغيبُ عن كثيرين من أن الأديبيْن الكبيرين كانَا على مستوًى رفيعٍ من أدبِ الخلاف الذي يَرقى إلى سَقْفٍ سامِقٍ،يدعو إلى الإعجاب والإكبار..

كانَا على هذا المستوى الرفيع وهما في عِزِّ التباين الفكري والأدبي..!!

عندما قرأتُ كتابَ الدكتور طه حسين ( خِصامٌ ونقْدٌ )،استوقفني كثيراً كلامُه الجميلُ الرائعُ عن خصومته الأدبية مع الأستاذ العقاد ومعَ غيْره مِنْ أدباءِ العصر،ورأيْتُ-تعميماً للفائدةِ-أن أنشرَهُ هنا،عَلنا نجدُ في ثناياهُ ما يجعلُ أقلاَمَنا-نحن التلامذةَ الهُوَاة-تُجيدُ فنَّ الخلافِ الفكري والأدبي مع بعضنا،فترتفعُ-ونرتفع معها-إلى السموق الشرعي والأخلاقي والثقافي والعلمي والذي نرنوا إليه جميعاً..

وليسَ لي في الحقيقةِ من فضْلٍ-بعدَ كلام الدكتور طهَ-إلا شرَفُ النقلِ الأمين فقط...ولكم-أحبتي-عقِبَ ذلكَ مطلقُ الحريةِ في التذييل بالتعليق...

في كتاب ( خصام ونقد )-طبعة دار العلم للملايين،بيروت،لبنان،وهي الطبعة الثانية عشرة،نيسان ( إبريل ) 1985 للميلاد-وفي فصلٍ عنوانُه ( أصـداءٌ )..نقرأ في صفحة : 144 وما بعدَها :

(( ..وقد ذكرَ الأستاذُ سامي داود أني بايَعْتُ الأستاذَ العقادَ بإمارةِ الشعر في وقتٍ من الأوقاتِ،وأن هذه البيْعَةَ كانتْ سياسيةً،اقتضتْها ظروفٌ خاصةٌ.وأحبُّ أن أؤكِّدَ للأستاذ أني لم أبايع العقادَ بإمارةِ الشعر،وما كان لي أن أبايعَه،لأني لم أكنْ شاعراً،وإنما قلتُ مخلصاً غيْر مُحابٍ ولا متأثرٍ بالسياسةِ ولا مستَعِدٍّ للرجوع فيما قلتُ..!!

قلتُ : إن الشعراءَ يستطيعون أن يَرفَعوا لواءَ الشعر إلى العقادِ بعد أن ماتَ حافظٌ وشوقي،فهو يستطيعُ أن يَحمِلَ هذا اللواءَ مرفوعاً منشوراً،وأن يحتفِظَ لمصرَ بمكانتِها في الشعر الحديث.

ولم أغيّْرْ ولن أغيِّرَ مما قلتُ شيئاً إلا أن يَظهرَ شاعرٌ جديدٌ يتفوقُ على العقاد.فللعقادِ شِعْرٌ رائعٌ بارعٌ رصينٌ متينٌ،لا يُخدَعُ ببهرَجِ اللفظ ولا يُسْحَرُ بروعةِ الأسلوب،وإنما يُعجَبُ باللفظِ والأسلوب والمعنى جميعاً.

وللعقادِ شِعْرٌ أقلُّ ما يُوصَفُ به أنه يدل على شيءٍ،ويَدل على شيءٍ من حقه أن يُحببَ الشعرَ إلى الناس.

وقد خاصمتُ العقادَ في غيْر موْطِنٍ من مواطن الخصومةِ.خاصمْتُهُ في السياسةِ وخاصمته في الأدب،وخاصمته في غيْر السياسةِ والأدب أيضاً.ولكنَّ هذه الخصومةَ لمْ تغُضَّ من قدْر العقادِ في نفسي،وما أظن أن بين لِدَّاتِ العقادِ وأترابِهِ ومعاصريه مَنْ يُقدِّرُهُ ويُكبِرُهُ مثلَ ما أقدِّرُهُ أنا وأُكبِرُهُ..!!!

وليسَ يَعنيني أن يكونَ رأيُ العقادِ فِـيَّ كرأيي فيهِ،وإنما الذي يَعنيني أن أقولَ الحقَّ وإن كرِهَهُ الكارهون..وإن كَرِهَهُ العقادُ نفسُهُ..!!

والذين عاصروا خصوماتي للعقاد،يَذكرونَ من غيْر شَكٍّ أنني أثنيْتُ على أدبِه في جريدةِ ( السياسة ) حين كانتِ الخصومةُ بين ( الوفديِّين ) و ( الدستوريينَ ) كأعنفِ ما تكونُ الخصوماتُ.لمْ يمنعْني ذلكَ من أن أسجِّلَ أنه كاتبٌ عظيمٌ وشاعرٌ ممتازٌ.

وقد كانتِ الحربُ سِجالاً بينه وبيني،فلمْ يمنعه ذلكَ مِنْ أنْ يقومَ مَقَامَ الرجلِ الكريمِ في ( مجلسِ النوابِ )،فيدافِعُ عني حين كانَ ( الوَفديُّونَ ) جميعاً علَيَّ حرْباً..!!!

وقد خاصمتُ الرافعي-رحمه الله-كما خاصمَهُ العقادُ..وخاصمتُ المازني وهيْكَلاً وغيْرَ المازني وهيْكلٍ كما خاصموني.ولكنَّ ذلكَ لمْ يَمنعْنَا في يومٍ من الأيام مِنْ أن يكون صديقاً،يعرفُ بعضُنا لبعضٍ حقَّهُ ويُضمِرُ بعضُنا لبعضٍ ما يُضمِرُ الصديقُ لصديقهِ من الوفاءِ..!!

وما أعرفُ أن الخصومةَ بين العقادِ وبيني قد انقضتْ.فما دامَ كِلاَنا يكتُبُ فالخصومةُ بيننا مُمكِنَةٌ،ولكنا قوْمٌ نعرفُ كيفَ نختصمُ دونَ أن تُفْسِدِ الخصومةُ رأيَ أحدٍ منا في صاحبِه.

وقد خاصمتُ توفيقَ الحكيم أو خاصمني توفيقُ الحكيم،وسَلْهُ-إن شئتَ-عما تركتْ هذه الخصومةُ في نفسِهِ ولا تَسَلْني أنا عما تركتْ هذه الخصومةُ في نفسي،فكل الناسِ يعرفُ أن الخصومةَ بين الناس وبيني مهما تشتدُّ فهيَ أهوَنُ شأناً وأقلُّ خطَراً مِنْ أن تترُكَ في نفسي أثراً.

وقد تعلَّمَ الأستاذُ سامي داود في الجامعةِ فيما تعلَّمَ أن جريراً والفرزدقَ والأخطلَ قد أنفقوا أعمارَهم يَهجوا بعضُهُمْ بعضاً،فلمْ يَهْدِمْ أحدٌ منهمْ أحداً،ولمْ يُخرِجْ أحدٌ منهم أحداً من زمرةِ الأدباءِ.وآيةُ ذلكَ أننا ما نزالُ نكتُبُ ويقرأُ الناسُ.وآيةُ ذلكَ أن الأستاذَ سامي داود ما زال يُسمِّينا أدباءَ كباراً،سواءٌ أكانَ يريدُنا كباراً في السِّنِّ أو كباراً في المَقام...
)) ا هـ.
__________________
يَا رَبيعَ بَلـَـــــدِي الحبيب...
يا لوحة ًمزروعة ًفِي أقصَى الوريدِ جَمَـــالاً..!!

رد مع اقتباس