عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-05-2012, 04:19 PM
الصورة الرمزية عمر حامد
عمر حامد عمر حامد غير متواجد حالياً
كاتب فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 92

اوسمتي

Unhappy وجـــــــــــــعُ الســنـــــــــــــــــــــــون !


في مقهىً على شاطئ البحر .. جلس الرجلُ الخمسيني (بوسالم) على كُرسيٍّ يرتشِفُ كوب قهوته المُعتاده ..
ينظُرُ الـى أمواجِ البحــرِ الهــادئه .. تتحـركُ ذهـابا وايابــا.. وكأنمــــــا تدعـوهُ مُشاركتهُ ذكرياتهُ الماضيه ..
يتقدم اليه جرسوـن المقهـى القـــديم .. يأتيــــهِ فيداعبــهُ قائلا : انت لسّه علـى ما انته؟ ما فيش فايده
فيك ؟ .. يا عمِ انسى وعيش حياتك ..! انت راجل عندك شويّه وشويات .. ما تتجــوز يا خــويا وتخلصنــا!»
فيردُ عليـه الرجلُ الخبيــر : الشويه والشويات يا سيّد .. ما تفيد .. صدقني ما تفيد ..» عِدنها اشــارَ الرجـلُ
الى الجرســون .. ان اسمـع وانصت .. وكان صــوت ام كلثـوم يستلهــم اصــوات البحر بهدوء وهي تتغنى :
"بعتني وفاكرني ليه ؟ اشتاق لقربك ليه؟ .."

بعــدها غـادرهُ الجرسون الى
زبون آخر .. تعلوه ابتسامةُ البلاهه ! .. جلس الزبون القادم بجانب بو سالم .. وقد الصق سمّاعةً على أُذنه ..
وكان يتحدث في الهاتف .. فسمعهُ يقول : (شوفي نونو .. قلت لش زواج ماشي .. انا ما مستعد .. يالله يالله
باي ..عندي شغل ) .. فأغلق الهاتف .. ورماهُ على الطاوله مُحدثا صوتا قويا .. فرفع رأسهُ فإذا بأبو سالم ..



فاقترب منهُ ونقل (شيشتهُ) بجانبه .. وحيّاهُ وجلس بجانبه .. بو سالم يعرف هذا الشاب في المقهى فقط ..
وقد تبادلى أطراف الحديث سويّا .. فأجب الشاب (جاسم) بثقافة وحنكة السنين لدى بوسالم .. وصار دائما
يجلس معه في المقهي كلما جلس معه .. فبادر بوسالم جاسم قائلا :
- تسمح لي اسألك سؤال شخصي وما تزعل؟
- تفضل بو سالم .. أفا ! ..

- من ذي نونوه؟
- هههههه .. هذي مغربيه .. تعرفت عليها من زمان .. اعطيها كمّين بيسه واطلع معها .. وأوين تبغاني
اتزوجها !! مع اني قايلها اني رجال متزوج ! ..

- يا جاسم الله يهديك .. ما دام انك متزوج .. ليش تخون زوجتك؟
- عادي يا بو سالم .. بس تراه تسلايه .. وتغيير كما تقول!

- أسألك جاسم انته تحب زوجتك؟
- احبها طبعا

- كذّاب
- نعم!

- صدقني ما تحبها .. لو تحبها ما لعبت من وراها
- والله وش اقولك .. بس انا احبها وما اقدر اعيش من دونها ..

- ايوا بالضبط .. قول انك تعودت عليها بس ما تقول تحبها .. اسمع مني قصتي .. يمكن تستفيد يا ولدي:

(انا رجلٌ متزوج .. منذُ سنين مضت .. اذكرُ في يومٍ ما في هذا المقهى بالتحديد .. كانت تعمل فتاه مغربيه ..
كانت جميلة بحق .. تغمزُ لذاك وتتغجُ لذك .. كُنتُ وسيما .. ولاحظت هي اني ذات سعه في العيش .. فهي
ترى سيارتي وأين أوقفها .. فصارت تحومُ علي .. وأنا لا أُعيرها اهتماما .. لثقتي بأن امثالها يقتتنَ من أمثالنا ..
ولكنها للأسف نجحت .. كُنتُ ثلاثينياً مُراهقا .. ولأن عملي في الفتره المسائيه ايامها فقد كُنتُ اقعدُ في
المقهى الى ساعاتٍ مُتأخره .. فقعدت تُجالسني ونتبادل اطراف الحديث .. الى ان بُتُ آملُ فيها .. وتطورت الاحداث
وصرنا نخرجُ سويّا .. بل واستأجرتُ لها شقّه .. فغدت كزوجتي ! بل اوفر حظا من زوجتي .. وكل هذا كان من
وراء زوجتي المسكينه .. التي بتُ انهرها على اتفه الاسباب .. وكانت المسكينه صابره وتتحملني دائما .. الى ان
جاء يومٌ وسقطتُ طريح الفراش .. لا ادري ما ألمّ بي ! الاطباء لم يستطيعوا تشخيص حالتي .. كان العرقُ
يتصبصبُ مني كالماءِ المسكوب .. وكانت حرارتي دائما مُرتفعه .. ويداي ترتعشان ! ..



في محنتي هذه كانت
زوجتي الحبيبه لا ينام لها جفن .. تُساعدني وتجالسني ليل نهار .. وكُنتُ أُقدر ما تفعلهُ لي .. اسبوعٌ كامل
وانا غالقٌ جهازي النقال .. وفي يومٍ ما وأنا على فراش المرضِ طريحا .. رن جرس الباب .. فأسرعت زوجتي ترى
من الطارق .. فجاءت الي وهي مُرتبكه .. تسمّرت امامي .. بُرهه تنظُرُ الي وأنظُرُ اليها .. وانا مُتعجب .. وعيناي
تُزغلل! .. فدغرت من بعدها (سوسن) !!! صديقتي المغربيه !! يا ربّااااه .. فتداركتُ الموقف .. وقلتُ :
هذي دكتوره مغربيه ربعي وصافنها لي» .. فهزّت زوجتي رأسها مُعلنةً الرضا! .. فدخلت سوسن وجلست
بجانبي .. وذهبت زوجتى الى المطبخ .. أخالُها تأتي بما تُضيف به الطبيبه المزعومه .. وجلست بجانبي سوسن
وكنتُ أوبخها على جُرأتها .. وكان عُذرها بأنها اشتاقت الي .. وانخلع فؤادُها .. وأطلتُ معها بالحديث وأخبرتها
بالمرض .. وجاءت زوجتي بصحنٍ من الفواكه .. كانت تحاول ان تتصنع بأن خُدعتي نجحت .. ولكن اعرف زوجتي
كما اعرف نفسي وقرأتُ في وجهها همًّا جللا!



بعد يومين اتصلت بي سوسن .. وقالت لي بأنها ارسلت ملفي الطبي الى المانيا .. وأنه يتوجب علي الاسراع
بالسفر الى المانيا .. لأن حالتي خطره.. بصراحه خفتُ على نفسي .. وجمعتُ كامل ثروتي للسفر الى المانيا
اعتدت زوجتي العُدّه للرحيل معي .. إلا انني اشرتُ لها انه لا داعي .. لأن صاحبي سيسافر معي .. لانه يتحدث
الالمانيه بطلاقه ! .. فجزعت زوجتي علي وخافت وقالت : (بس ما بقدر اتحمل .. لازم اكون جنبك) فأقنعتها وهي
تبكي .. في الحقيقه ..سأسافر مع سوسن .. وهي لا تدري! اوصلني السائق الى المطار .. واستقبلتني سوسن
هُناك .. فكانت الصدمه .. انتبهتُ وانا اقتربُ من رُكن المسافرين .. بزوجتي .. وهي تنظرُ الي مع ولدي بكل اسى
كانت قد اعدت لي مُفاجأةً بأن تودعني قبل الرحيل !! فرأيتُها تنهارُ امامي .. تبك بحرقه !!

كانت رحلتي بالطائرة كئيبةً تمنيتُ لو ان الطائرة تقعُ من السمــاء وأذهبُ انا الى الجحيم .. !! وســوسن بجانبــي
تمسحُ عن جبهتــي العــرق المتصبصب .. تارةً .. وتُرطبُ شفّتي اليابسةَ البيضاء تارةً أخرى .. لقـــد اقسمـــتُ ان
على نفسي ان افعل المستحيل لإرضاء زوجتي .. سأقبـــلُ قدميها أمامَ الجميـع إن شائت .. ويحي ..! كيــف سأُبررُ
ما فعلتُ انا امام والدها رجل الاعمال المشهور ! لو وصلـهُ الامــر.. فأنا في عــداد المطلقــين!! يا رباه .. لقـــد زادني
الموقفُ سوءا على سوء .. وصلنا العاصمه برلين .. واستأجرنا فُندقا .. وذهبت سوســن لإنهاء اجراءات المستشفــى
وفي المساء .. خرجنا انا وهي الى المستشفى .. وكــان لا بد ان نمرَّ الـى البنكِ اولا .. لأسحــب شقاء عمري مــن المال..
لأعطيه للمستشفى ثمنا لصحتي .. لعلاجي .. سحبتُ المبلغ .. وانطلقنا سويًّا الى المستشفى .. وجدتُ الممرضات
يُرحبن بي .. ويدخللني الى سريري الخاص .. واخذت سوسن المــال .. لإنهاء الاجــراءات الكاملـه .. إلا ان سوسن ذهبت
ولم تعد .. استغربتُ عندما جائني المترجم يقول : (سيدي المحترم .. نحــنُ في وضعٍ مُحــرج .. إمــا ان تدفع الرسوم..
وإما ان تعود الى الفندق) .. فقلتُ لهم ان سوسن سوف تنهي الاجراءات .. وكل شيء على ما يرام .. ولكن سوسن
كانت قد هربت بالمال!! اتصلُ بها وكان هاتفها مغلقا !! .. لقد رموني الى الشارع كالقُمامه تماما!! الشيء الوحيد
الذي كان متوفرا لدي هو بعض المال القليل .. وبطاقة الفندق .. الذي به حجز لمدة اسبوعين .. قمتُ من قارعة الطريق
والثلجُ يُغطي جبهتي المرتعده! .. ضغطتُ على نفسي .. واتسويتُ واقفا .. واشرتُ الى سيارة اجره .. حملتني الى
الفندق وصلتُ الى غُرفتي .. وانفجرتُ باكيا !! كُنتُ نادما .. حانقا .. ولكن اعرفُ تماما انني استحق .. !! وددتُ لو ان الارض
تنشقُ وتبلعُني حيًّا!! .. رغم ذلك شعرتُ بأن حِملا كبيرا كالجبل انزاح عن كاهلي ! ..عِندها كُنتُ افكر .. كيف سأكمل
العلاج .. من سيرسل لي المبلغ ؟! .. بل ان وددتُ كيف سأعودُ الى البلد .. وانا لا املكُ الا جواز سفري فقط .. من سيرسل
لي مبلغا كيف اعود ..؟ كيف سأعيشُ بلا اكلٍ هنا في الغُربه ..؟ يا الله ..!!! عندها .. غفت عيناي من التعب ..

صحوتُ وقمتُ من الفراش .. ابحثُ عن حظن زوجتي! .. إلا انني اكتشفتُ الحقيقه المره .. انا في المانيا .. سوسن
خدعتني .. انا بلا مأوى ..!! وثبتُ من فراشي كالحصان! .. كُنتُ بكامل الصحه وتمام العافيه ! .. أتدري يا جاسم ما
المرض الذي كان بي ؟! انها النفسُ اللوامه !! انهُ الشعور بالذنب!! لا اكثر ! لقد انزاح الهمُّ عني!! فحمدتُ الله
وخررتُ ساجدا له .. !! .. قُمتُ من سجودي باكيا ! .. فتذكرتُ زوجتي .. نظراتُها في المنزل عندما دخلت علينا سوسن
.. وكيف كانت حزينه !! ثم بعديها بُكائها وهي تنظُرُ زوجها يرحلُ الى الغُربه مع واحدةٍ لا تسوى شعره من رأسها!!
فانفجرتُ باكيا .. كالاطفال .. الى درجة ان مُرتبي الغُرف في الفندق طرقوا علي الباب ! .

ثلاثُ أيامٍ بلا طعام .. وكأنما أُعاقب نفسي.. بحثت عن هاتفي .. وفتحته.. فجأتاني اتصالٌ مباشرةً من رقم المنزل !!
فرحتُ اشدَ الفرح!!! رددت .. فكان ابني الاكبر يتطمن علي.. لقد كُنتُ مُحرجا منهُ كثيرا!! لأنهُ من بين ابناءهُ هو من
يفهم ماذا يحدث حوله .. هو يفهم سبب تساقط دموع امه كأوراقِ الخريف! .. فصارحتُهُ بكامل القصه .. وطلبتُ
منهُ ان يتصرف .. فرد علي حانقا: (تريدني اتصرف هاه .. اتصرف !! .. وأمي وأمي) ... فانفجر بالبكاء .. وقعد يتمتمُ
كلاما غير مفهوما وانقطع الخط .. عاودتُ الاتصال به .. وقلبي يكادُ ينخلع .. ثلاثُ مراتٍ أُعيد الاتصال الى ان ردت
علي زوجتي .. هي ستُّ كلماتٍ وانقطع الخط : شيّك حسابك اليوم المساء في البنك) !

وفعلا وجدتُ مالا كافيًا كي اعود .. عُدتُ الى البلاد.. لم يستقبلني احدٌ في المطار .. كُنتُ استحق ذلك بجداره..
انا فقط كنتُ أهيأ نفسي كيف سأواجه اهل زوجتي وأُعيدها الي .. وما ان وصلتُ المنزل .. وجدتهُ خاليا !!! ..
رأيتُ زحمةً عن المسجد !! خفقَ قلبي .. وصلتُ المسجد .. كانت الاجواء سوداء ! تفاجأ الجميع برؤيتي .. انطلق الي
شقيقُ زوجتي مندفعا .. خُفتُ منهُ رجعتُ الى الخلف .. ظننتهُ سيلطمُني امام القوم .. إلا انهُ عانقني وبكا .. وانا
جاهلٌ تماما ما يحدُِ .. بعد ساعه .. كُنتُ اتوسطُ والد زوجتي الراحله واخوها الكبير .. يُعزوني الناسُ وانا ابكي تماما
كالاطفال .. ماتت زوجتي وهي تلدُ طفلنا المنتظر! هي ماتت مرّه .. وانا مُتُّ مرات عديده! :
- نظراتُها لي عند الهزيمه .. - دفعها مبلغا لي للرجوع للبلد - سترها لي امام اهلها !


بعد ايامِ العزاء .. أتاني ابني الكبير .. وقال لي .. (بعد اليوم انت لست ابي!) .. فقتلني هو الآخر ! .. ولم الومه ..

فأنهى ابو سالم قصته .. وانتبه الي عينا جاسم تفيضان من الدمع .. ودُخان الشيشه قد اختفى !!! .. فقام
جاسمٌ من مكانه .. وقال .. : (لن اخون زوجتي بعد اليوم ..) وأضاف : (عمي بو سالم كيف تو ولدك سالم )؟
فرد ابو سالم: لم ارهُ هو واخوته من يومها .. لقد تركتهم في بلادهم .. وانا هنا لستُ في بلادي! ..ولكن سأزورهُ
يوما .. عندما افرغُ من زيارة قبر زوجتي!! .. ) ..
فقال جاسم : (هوّن ع نفسك عمي بو سالم .. اترك زيارة القبر .. لانه يذكرك بالاسى .. وارجع لولادك اكيد غفرو لك!)
فأردف عليه الرجل الخمسيني ابو سالم: (هُناك على القبر .. رسالةٌ كتبها ابني لي وصيَّةً من امه .. فعاهدتُ نفسي
بأن لا انتهي من زيارتها كل ليله .. وادعو لها .. إلى ان تنمحي الكتابه!)

عندها اصرّ جاسم على ابو سالم ان يذهب معه الى المقبره .. لينظر الرساله المكتوبه على شاهد القبر (الحجاره
التي توضع على القبر) .. وفعلا .. بعد ايام .. اتجه الاثنان الى هُناك .. وكانت المقبرةُ هادئه .. ووقارُها تغلبَ على وقار
ابو سالم .. وكانت كُلُّ خطوةٌ يخطوها ابو سالم .. تُضعفهُ اكثر .. الى ان وصل القبر وانفجر يبكي .. فقرأ جاسمٌ
ما كان منحوتا على شاهد القبر :

اتزعـمُ ياقاســـي الفــــؤادَ صــدودُ
وتنكـــرُ حلفـــاً بيننـــــا وعـهـــودُ
وتنسـى الـذي بالامسِ قـد صارَ بيننا
عنــدي عليــكَ ولو جحــدتَ شُهـودُ
شهودي دمـوعي والغـرامُ ، وبعد ذا:
جِسمي نحيلٌ ماعليهِ مزيدُ

عندها ادرك جاسمٌ ان عُمرَ ابو سالمٍ سيفنى وسيبقى النقش..
وسيظلُ الرجلُ الخمسينيُ باكيا ما حيا
فغادر المقبره وهو حزين .. تاركا
ابو سالم مع زوجتهُ ورسالتها ..



انتهى ..



__________________
لا لَــيــلَ يـكـفـيـنــا لـنـحـلُـمَ مـرّتـيـن
رد مع اقتباس