عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 30-01-2012, 10:47 AM
سعيد اليعربي سعيد اليعربي غير متواجد حالياً
كاتب مميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 314

اوسمتي

افتراضي رسالة الأدب

الأدب بأنواعه المختلفة؛ نثره وشعره، نتاج حراك اجتماعي، وتلاقح فكري، وهو في ذات الوقت تعبير عن هوية الأمة وكيانها، إنه الذاكرة التي تحتفظ بالمخزون الحضاري للأمة، وضميرها الذي وإن حاولت أيد أن تبقيه سادرا في سباته، لا بد أن يستيقظ يوما ما؛ ليجعل أولئك الذين تناسوه يشعرون بفداحة ما أقدموا عليه، يوم أن اسلموه لتلك الأيدي، تعبث بذاكرته، وتحاول أن تبعث مكانه شيئا آخر لا يمكن حتى أن يشبه ظله.
إن رسالة الأدب لا تقتصر على الوقوف على شرفة واحدة للنظر إلى الوراء، والتغني بما كان، لكنها استدعاء لأسس ذلك الماضي، واستنطاق له، ليحكي لنا رواية الحياة مع أبناء عشقوها فوق قمم الجبال، وعلى هامات المجد، فدانت لهم الدنيا ، راضية بهم قادة ، ومستهدية بهم مصابيح رشد وقناديل هداية، وتنقية ما عساه قد علق به-أعني ذلك الماضي- من شوائب ليغدو صالحا لنبني عليه ما يعيننا على الخروج من العيش في الجحور والمستنقعات، بله العيش كما عاش الأسلاف.
حتى قبل الإسلام حمل الأدب هويتنا ومجد خلالنا التي جاء الإسلام ليتممها، ومع أن العرب كانوا يومئذ مستضعفين في الأرض، إلا أن قصيدة شعرية قد توقظ فيهم ما تعجز أن تقف في وجهه أعتى القوى وأشدها بأسا وبطشا، وجاء الإسلام، فشحذت قصيدة عزائم الرجال للانتصار لامرأة لم تكن بنت زعيم ولا ملك، ضيمت في بقعة قصية من الأرض.
وفي هذا الوطن يحكي لنا التاريخ أن امرأة بعثت إلى أحد الأبناء الذين عشقوا حياة القمم بقصيدة، كان نتاجها أن لا يغمض له جفن حتى أنصفها ممن ضامها، أم أن ذلك كان من أساطير الأوليين!!
وفي الدول التي يتغنى بأمجادها المتغربون، حمل الأدب رسالة التغيير، المستوحاة من تجاربه هو، وبدأ يغزو بعد ذلك الدنيا ، أكان رواد ذلك الأدب يكتبون لقرائهم الذين تناغمت أفكارهم معهم أحاجي وألغازا كما يفعل متغربونا اليوم بدعوى التجديد والتطوير، عندما يقرأ قارئ غربي لهيجو في البؤساء، فإنه يشم رائحة البؤس التي عانى منها أبناء أوروبا يوم أن كتب، ولكن عندما يقرأ قارئ لأحد متغربينا اليوم، فإنه لا يشم إلا روائح النبيذ المتطايرة من أنفاسه حال كتابته لما كتب.
رد مع اقتباس