كلب ينبح على " مشينة " *
كلب ينبح على " مشينة " *
كان عندنا في قديم الزمان كلب متحمّس جدّا ، ينبح لأتفه الأسباب ، و تستفزّه أدنى حركة . ضبطته مرّة يحاصر خنفساء خلف الدار ، و ينبح نباحا متواصلا كأنّما يحاصر سبعا ضاريا . و مرّة أخرى سمعته يقلب الدنيا نباحا ، فقلت لعلّه ضفر بلصّ يتربّص بمنزلنا ، فإذا به يتابع ظلّ شجرة صغيرة كانت الرّيح تحرّك أغصانها فيتحرّك ظلّها. كلبنا هذا أصبح موضوع تندّر عند الأجوار . يقولون كلب دار فلان تافه و أبله ، يظنّ كلّ ما يتحرّك هدفا ، و يتوسّم فيه خطرا داهما ، و لعلّهم يقولون أيضا الكلاب على أمثالها تقع . حدّثته يوما حديثا هادئا . قلت له : ـ اسمع يا كلب يا ابن الكلب ! لقد جلبت لنا الخزي و العار ، و جعلتنا أضحوكة بين الناس . تعقّل قليلا و دع التفاهات . ليس كلّ شيء تراه يتحرّك مدعاة للنباح . ادّخر نباحك لمسائل أهمّ ، فالدّهر طويل ، و أعمار الكلاب طويلة كذلك . ستصادفك مناسبات أخرى تحتاج فيها إلى نباحك . لا تبذّر طاقتك في ما لا يعني . ثمّ نحن لسنا وحدنا في هذه القرية ، حولنا أجوار لا يفوتهم شيء . كلّ حركة يسجّلونها . و أنت تمتّ لنا بصلة و ما تأتيه من حماقات يحسب عليك ، و علينا . ظلّ يستمع إليّ في صمت حتّى خلته قد أدرك صواب كلامي و استوعب الدّرس . ... ذات يوم وفد على القرية أناس غرباء ، ألوان جلودهم و عيونهم تختلف عن ألواننا ، قيل إنّهم مستعمرون جاؤوا يعمّرون البلاد . فاستبشرنا خيرا و انتظرناه ـ أي الخير ـ . مهّدوا طريقا ثمّ مدّوا عليها سكة حديدية لا نعرف مبتدأها و لا منتهاها . بعد أيام دخل القرية قطار طويل كيوم صيف . عربات يجرّ بعضها بعضا ، هذه ملتصقة في مؤخّرة الأخرى . أحدث صوت القطار ضجيجا هائلا ، و أزّت عجلاته أزيزا حادّا يثقب الأذن . وقفت كغيري من الخلق أتفرّج على القطار يمرّ أمامي ، و معي الكلب . كان هادئا في البداية ثمّ أخذته نوبة نباح . كان و هو ينبح يهمّ بين الحين و الحين بمهاجمة القطار ، و أنا أردّه إلى الصواب ، فيتراجع قليلا ثم يعيد الكرّة . يكرّ و يفرّ ، و القطار الذي لا يكاد ينتهي ماض في طريقه الحديدية لا يعبأ بنا . أنهك النباحُ الكلبَ و لم يتوقّف . انتبهت إلى أحدهم كان يقف مثلي و مثل الكلب ينظر إلى القطار ، كان مبتسما ابتسامة ساخرة . انتظر حتّى ابتعد القطار و لم يعد ضجيجه يصلنا ، و قال : ـ هه ، كلب ينبح على مشينة . أحسست بالخجل من نفسي و من الكلب ، و أحسّ الكلب بالخجل مثلي . منذ ذلك الحين توقّف كلبنا النبّاح عن النباح المباح . أمّا قول الرجل فقد ذهب مثلا يُضرب في القرية ثم انتشر إلى القرى المجاورة حتى عمّ البلاد بأسرها . سمعت مؤخّرا أنّه بلغ أقاصي الدنيا . أفريل 2010 *المشينة : كلمة دخيلة من الفرنسية و تعني الآلة عموما ، و لكنّها تستعمل بمعنى القطار عند أهل الجنوب التونسي . |
شكراً اخي عبدالرحمان فعلاً قصة الكلب .. قصه عجيبه وغريبه لقد قراءة احداثها بكل شوق تسلم وربي يعطيك العافيه |
اقتباس:
تحية طيبة و شكرا على اهتمامك المتواصل ، و على قراءتك العميقة حياك الله و أعطاك الصحة و العافية . |
ههههه
قصة الكلب هذه طريفة وحسب! شكراً أخي الكاتب. |
اقتباس:
مع خالص التحية . |
أنت كالكلب في الوفاء وكالكبش في مقارعة الخطوب
لطالما كان الكلب رمزا للوفاء البت للاستشهاد ليس إلا تقبل مروري ودمت بخير |
اقتباس:
شكرا على المرور ، كنت أودّ أن أعرف رأيك في النصّ و أن أستفيد من ملاحظاتك . أمّا وفاء الكلب فأمر لا يشكّ فيه آدميّ . لكنّ النصّ لا يطرح هذا الموضوع . مع مودّتي . |
يسلمووووووووووووووووووو مره روعة
ما شاء الله عليكِ |
اقتباس:
|
اشكرك جزيل الشكر في غاية الروعه
|
الساعة الآن 06:22 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir