منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   القصة القصيرة (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   نذير شؤم (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=22907)

زهرة السوسن 28-03-2017 01:40 AM

نذير شؤم
 

ذات يوم اتخذت قرارا بخلع ضرس تسبب لي في الكثير من الأذى، على مدار أسبوعين كاملين، زرت خلالهما عيادة أسنان خاصة، وأخذت علاجا آخر من الصيدلية؛ اتقاء لعملية القلع، ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى تفاقم الأمر وتطور إلى ظهور ورم في الفك السفلي، فاضطررت إلى الاستسلام للأمر الواقع، وتوكلت على الله تعالى، وزرت عيادة الأسنان في المجمع الصحي التابع للمنطقة التي أسكن فيها، وكان الألم على أشده، على الرغم من تناول مسكن قوي، ودهن موضع الألم بزيت القرنفل الطبي، وعندما وصلت إلى العيادة اتخذت لي مكانا متواريا عن أنظار الرجال في الجانب المقابل، وجلست، وفجأة وقع نظري على امرأة جسيمة تضع نقابا على وجهها، كانت تجلس مقابلة لي تماما، ويفصل بيني وبينها قرابة المتر، عندما رأيتها شعرت أني رأيتها قبل ذلك، فبدأت أستعيد صورة هذه المرأة من ذاكرتي، فوضعت يدي على فمي، وهمست إلى نفسي: إنها المرأة ذاتها، التي كانت تظهر لي وصديقتي طوال فترة تصحيح الدبلوم العام، في نفس المكان ونفس التوقيت، حتى إن صديقتي قالت لي عندها: أم عمر يبدو أن هذه المرأة صديقتك من الجان، فقلت لها: ليس ذلك عليها ببعيد، فكنا كلما برزت نستعيذ بالله من شرها.
في تلك الفترة كان ضرسي قد بدأ يؤلمني، ولكني كنت أتصبر حتى تنتهي فترة التصحيح، وها هي الآن تجلس أمامي وجها لوجه، فكنت أسترق النظر إليها بين الفينة والأخرى، فأراها متوترة الأعصاب، وقد شابكت بين أصابعها، وتركت إبهاميها يلفان حول بعضهما، كما كانت تلبس بعض الخواتم الفضية التي صارت من التراث في الوقت الحالي، فحدثني قلبي بسوء، وأن هذه المرأة ليست إلا نذير شؤم هذا اليوم، فبدأت أقرأ وأرقي نفسي سرا، والشعور بالألم والإرهاق قد رسم معالمه على وجهي، لقلة النوم والطعام؛ بسبب ما أقاسي من التهاب عصب الضرس، والورم.
وفجأة برز من ورائها صبي في السابعة من العمر تقريبا، يرتدي ملابس عمانية بيضاء، فنظرت إليه باستغراب شديد، فلم ألحظ دخوله إلى قاعة الانتظار، فكأنما خرج من باطن الأرض، ومما زاد من دهشتي أنه لم يتحدث إليها ولم ينبس ببنت شفة، وهي كذلك، وبقي واقفا خلفها مباشرة، على الرغم من أن ظهوره في ذلك الوقت جدد أملي في أنها ليست تللك المتشيطنة، وأني قد أسأت الظن، ولكن سرعان ما اختفت المرأة مع الصبي في ظرف ثوان معدودة؛ مما جعلني أجزم أنها هي، فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وعزمت على التراجع عن عملية القلع ولكني فكرت في كثرة ما ابتلعت من المضادات والمسكنات، وبدون فائدة، بل إن الوجع يزداد يوما بعد يوم، فقلت أتوكل على الله تعالى، وأمضي في أمر القلع، وأنا أسأل نفسي وأجيب في ذات الوقت، انتبهت على صوت موظف الاستقبال سائلا: أين ذهبت المرأة التي معها الطفل؟ فما وجد جوابا من أحد ذكورا وإناثا، إلا أنا تمتمت قائلة: لا شأن لك بها فقد جاءت هنا من أجلي.
جاء دوري فدخلت على الطبيب، وفحص الضرس، متعجبا من أحواله، وقرر كتابة مسكن ومضاد أتناوله بضعة أيام، فقلت والله ما خرجت من هذه العيادة إلا وهذا الضرس قد اقتلع من مكانه، وشكوت إليه الحال ورويت له ما أعاني منذ أسبوعين متواصلين، فقرر القلع، فكانت الصعوبة الأولى، في تخدير الضرس، الذي لم يستجب للمخدر، إلا بعد حقن الورم بالمادة المخدرة، فشعرت بألم شديد لا يطاق عندها، وأضاف حقنة أخرى في سط الضرس المفتوح، ثم جاءت الصعوبة الثانية، عندما تكسر الضرس وبدأ الطبيب يقتلعه جذرا جذرا، حتى تمت عملية القلع بمشقة عظيمة، كتب الطبيب الدواء وخرجت وأنا أرى أن الدنيا قد صارت معتمة أمامي، ركبت سيارتي وكان مفعول المخدر بدأ يتلاشى شيئا فشيئا والألم يشتد شيئا فشيئا، حتى وصلت إلى البيت.
طلبت من الجميع عدم الاقتراب مني، وأغلقت علي باب غرفتي، وأوصيت ابنتي بأخيهن الصغير خيرا، ومكثت هناك أقاسي الألم الشديد، مع أني أخذت مسكنا، وبقيت على هذا الحال ما مدته ستة عشر يوما، حتى هزل جسمي واكفهر لوني، فقررت العودة إلى الطبيب ذاته، وفعلا عدت من جديد إلى مسرح المعاناة، وصورة المرأة والطفل تتراءى لي هناك في كل الزوايا، وعندما شكوت للطبيب مصابي قال وبكل برود: يبدو أني نسيت إحداث فتحة في اللثة تخفيفا للضغط، فما رأيك في جرح اللثة قليلا؟ فقلت: لا وكلا، فقال معقبا: إذا اذهبي وعودي بعد ثلاثة أيام إذا ما كان الألم قائما.
انصرفت وأنا في شدة من الحزن والأسى على حالي، وبقيت على ذلك ما شاء الله لي، حتى برئت، وفي ذات يوم عدت إلى المجمع، إلى قسم الطوارئ مع والدتي، فوقعت عيني على موظف الاستقبال وهو على كرسي متحرك، وعندما سألت عنه، قيل لي: لقد مرض فجأة، وأصيب بنوبة قلبية، بعد ذلك بقليل توفي الرجل، فكنت أحاول أن أربط بين المرأة وبين ما حدث لي، وما حدث لموظف الاستقبال، فأجدني في حالة من التشتت والتوتر والقلق، ليس خوفا منها، فقد فوضت أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد، لكن إلى متى ستظل هذه المرأة نذير شؤم في حياتي؟
أم عمر 28-3-2017م

سجايا 28-03-2017 03:02 AM

سبحان الله
بعض الأحيان يتبادر لأذهاننا بأن فلان فال شر وفلانه فال خير
مثلہا كمثل بعض المعتقدات الخاطئة المتوارثة عندما ترمش العين فسيحدث الشي الفلاني
عندما نسمع صوت الغراب فهو نذير شؤم وغيرها من المعتقدات ، قمنا بربطها مباشرة باحداث معينة..
وقد يحدث بالفعل ما اعتقدناه في بعض الأحيان ولربما في غالب الأحيان

تفاءلوا بالخير تجدوه
يجب ان نتفاءل ونطرد كل تفكير سلبي
واعجبني بشدة حين قلتي(فوضت أمري الے الله)
فهو خير معين ووكيل في جميع شؤوننا

موضوع جميل واعتقد بأن معضمنا ان لم يكن جميعنا
قد مر عليه شيئا مشابها لما حدث لک بشكل أو بآخر

شكرا لك يا مبدعة..
ربي يحفظک..~ (

سالم سعيد المحيجري 28-03-2017 01:52 PM

الشاعرة/زهرة السوسن
قصة مشتعلة بالوعظ
جميلة بالأحداث
منوعة بالدروس

الحياة مدرسة ومن توكل على الله
حفظه واعانه ووفقهم
نحييك على هذا السبك
في الحبكة القصصية المنتظمة
وفقك الله لكل خير وحماك الله من كل سوء ومكروه

بوركت الأنامل وتحياتي لك.

زهرة السوسن 29-03-2017 12:47 PM

أشكرك على حضورك الراقي دائما أخيتي: سجايا
ولأنتم أهل الذوق والإبداع، أسعدني حضورك بحق.

زهرة السوسن 29-03-2017 12:49 PM

رب يعطيك العافية، ويديم أواصر الأخوة الصافية بيننا، كل الشكر والتقدير، أخي سالم المحيجري.

مروه الجعفري 02-04-2017 11:27 PM

ابدعتي عزيزتي
أثرتي القصه بحداث ودروس متنوعة
بوركت تلك الأنامل التي انسجت ذالك الاسلوب المميز ثم تسلسلة لتمزجه بخروف تكلك القصة
بنتظار إبداعك الجديد عزيزتي

زهرة السوسن 08-04-2017 01:05 AM

مرحبا بالأخت الكريمة: مروة الجعفرية، وما أجمل هذه البصمة التي خطتها أناملك المبدعة، وأملاها قلبك الطيب، تحياتي.


الساعة الآن 07:02 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية