منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   القصة القصيرة (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   الرباعي المهووس (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=22826)

ناجى جوهر 29-12-2016 11:16 PM

الرباعي المهووس
 




سلسلة قصص متجدّدة





الرباعي المهووس





ذُخُطْ الغــــــريق


http://www.3rbz.com/uploads/e3d7d91a4b4b1.jpg

إلى جانب عمله كحارس أمن كان يمارس الغوص في الإجازات

وآنذاك كان اللؤلؤ متوفرا، والغاصة قليلين، والسعر مرتفعا؛ فتوفّرت له مبالغ كبيرة من المال وتزّوج

من فتاة ذات حُسن وجمال، إلا أنّها جاهلة أمّيّة مثله، ورزق اربعة ذكور واربع اناث فتمّ له السعد والهناء

واستطاع بعد سنوات قليلة أن يبني عمارة ثلاثية الطوابق، وذلك بفضل الله ثم بمجهوده في الغوص

وجعل الطابق الأوّلِ من العمارة محلاّت ومعارض أجّرها؛ فجرى المال بين يديه جريان الماء

غير أنّ علاقته بالله وبالعلم وبالأخلاق الكريمة لم تكن بأهميّة جمع المال بالنسبة إليه، وفي ذات الوقت

كان يسعى جاهدا لأن ينتخب شيخا عاما في المنطقة المنتمي إليها، وعندما ظفر بهذه الأمنية أيضا داخله

العُجب، وخامر نفسه غرور أخذ يستفحل في ذاته كلّما تضخّمت ثروته، وازداد عدد المقترضين منه

والمعجبين به والمتملّقين شخصه اللئيم، يؤجّج نار العتوِّ في اعماقه ذلك الاحترام الزائف الذي يتقرّب إليه

به المنتفعون وذوو النفوس السقيمة محبّو المظاهر البرّاقة الخدّاعة

وبحكم الجهل والمال والسلطة جعل من نفسه إنسانا مقدّسا لا يقبل رأيا ولا نصيحة ولا نقدا

فما بالكم بالتغاضي عن الخطاء أو الإساءة؟

وفي تلك الفترة كان اعتماد معظم ابناء البلدة على البحر في معيشتهم، ولم تكن الدوائر الحكومية قد أنشأت

فروعا لها في البلدة النائية. وكان الصيّادون يضعون شباك صيدهم متجاورة في البحر ليعاون بعضهم بعضا

عند الحاجة، وهي تتشابه كثيرا ويصعب التفريق بينها، ومن سوء حظ العم ذُخُط أن رمى شبكته إلى جانب شبكة

الشيخ الفظيع، وجمع التيار المائي الشبكتين معا، وعندما أتى العمّ من الغدِ ووجد الوضع السيء ارتبك وحار

واختلطت عليه الأمور؛ ثم قرّر أن يعمل على فصل الشبكتين إلى أن يأتي صاحب الشبكة الثانية ويعاونه

وعندما حضر الفظيع وشاهد من بعيد الرجل المسن وهو يعالج الوضع ظنّ أنّه يحاول سرقة محصول شبكته

فزمجر غاضبا ثمّ أطلق محرّك قاربه البخاري على أقصى سرعة متجّها إلى قارب العم ذُخُط المتهالك

وحينما رأى الصيادون القريبون ذلك عرفوا أنّه يريد شرّا بالشيخ الضعيف؛ فهتفوا وصاحوا

على كلا الرجلين، أما ذو خُط فلم يسمع ولم ينتبه، أما الشبعان فزاده هتاف الناس وتحذيرهم عتوّا ونفورا

وتجاهل كل شيء، الخوف من الله القيم الإثم الرحمة صلة الرحم وحقّ الجوار

وابتسم ابتسامة صفراء عندما انتبه له الشيخ ووقف ملوّحا ومحذِرا

ولم يتوقّف الفظيع إلا بعد أن قسم القارب المتهالك نصفين. واختفت جثة العم ذُخُط في اعماق البحر

وسط محيط من الدماء، واقبل الصيادون غاضبون، فهداه خبثه إلى اصطناع التفاجئ والاندهاش

واكثر من الحوقلة والإستغفار وشرع يقسم ويحلف وهو يجهش بالبكاء بأنّه لم يقصد القتل بل كان يريد التهديد

ولأنّه ذو مالٍ وسلطة وحسبٍ ونسب فقد نجى من تهمة القتل العمد، وحبس بضعة أشهر

كانت حماته وزوجته مصطحبات العيال تتسولاّن خلالها التبرعات لدفع دية العم ذُخُط

وامتدّ نشاطهما إلى معظم ولايات المحافظة والمحافظات القريبة، فجمعتا مبلغا ضخما

ذهب معظمه إلى حساب الفظيع، ولم يلبث بعد دفع الدية أن خرج بخبرات المجرمين

وإذ لم يخسر شيئا كما يظنّ بل ربح اموالا طائلة فقد جعله الثراء والجاه يبتعد أكثر عن القيم

الدينية والاجتماعية، وهو لا يعلم إن هلاك الإنسان يكمن في الكِبر والبعد عن الخير

وعندما اراد الله عزّ وجل أن ينتقم منه سلّط عليه الشيطان؛ فالهمه أن يخطّ لنفسه فلسفة حياة

قائمة على مبدأ: المال اعبد لا شريك له

والعياذ بالله

وجعله الرخاء الذي تحظى به اسرته يتغافل عن تربية ابنائه وبناته تربية سليمة

معتقدا أن ما وفرّه من أقوات وأمتعة وأجهزة تسلية ورفاهية كفيلة بوضعهم على الطريق الصحيح

من دون تدخّلٍ ونُصحٍ منه أو توجيه أو ارشاد أو مراقبة

وصدّق المتشدّقين الذين يمتدحون عائلته زورا وبُهتانا بكل محمدة ومكرمة لا يعرفون عنها شيئا

متزلّفين إليه بفتح باب جنون العظمة المهلك أمامه

فرفض نصح المخلصين ونقد المشفقين بشأن سوء خلق عياله ذكورا وإناثا

وكان ذلك الرفض منه بداية الانحدار نحو الهاوية

يتبع إن شاء الله







عبدالله الراسبي 31-12-2016 07:06 PM


اخي العزيز والقدير الرائع ناجي جوهر قصه في غاية الابداع والجمال
ونحن في شوق لمعرفة الاحداث القادمه
دام قلمك المبدع
ودمت بكل خير وموده اخي الكريم

زهرة السوسن 05-01-2017 12:02 AM

قصة رائعة حبلى بالمعاني الإنسانية، تدمي الفؤاد لافتقاد الغني وأسرته مقومات الإنسانية الحقة، بارك الله في قلمك الرفيع، أستاذنا الجليل: ناجي جوهر.

ناجى جوهر 07-01-2017 09:55 PM



شرّفني مرورك الكريم أخي الشاعر المجيد
عبدالله الراسبي
فلك مني أجمل التحايا وأطيب الأمنيات
وتقبّل يا ابا نصر
تحيّاتي




[/color]

ناجى جوهر 07-01-2017 09:59 PM




حفظك الله ورعاكِ يا أم عمر
والف الف شكر على الثناء الجميل
وتقبّلي تحيّاتــي





ناجى جوهر 12-01-2017 11:14 PM

الرباعي المهووس
 




سلسلة قصص متجدّدة






الرباعي المهووس





أوّل عملـــيّة


http://www.3rbz.com/uploads/71a785afaaa41.jpg

وافتتن الرجل بحب المال فتنة جعلته يلهث مسعورا وراء أي مصدر يضاعف ثروته
فكان يغيب شهورا عن أسرته مقيما في مناطق نائية بحثا عن المال، ولا أحد يعيب طلب الرزق الذي لا ينتج عنه
ضياع الأمانة، وهل ثمّة أمانة أثقل على الإنسان من تربية عياله؟
لقد نشأ هؤلاء في ظل غياب الوالد المربّي المرشد الناصح الموجّه، وتحت رعاية أمٍ رعناء اجهل
من التي نكثت غزلها، واكثر ولعا بالمظاهر والأبهّة من الطاووس يزيدها لمعان الذهب في عنقها طيشا
وثناء الخبيثات كبرا وبعدا عن الواقع، فكانت وزوجها يعيشان في عصر مضى كانت فيه الكلمة للاقدر على السرقة والعدوان
فهما يعدّان ابناءهما ليكونوا شجعانا أو وقحين على الأرجح كما كان جدّهم هَبّان الذي كان ينهب الإبل
ويسرق البقر ويؤذي الناس ويعتدي على الضعفاء, وجهِلا أنّهما في عصر العلم والتكنولوجيا.
وكبر العيال بلا أهداف وبلا قيم وبلا علم وبلا دين، اللهم إلاّ ما كان من عبادة شهواتهم
وطفقوا معتمدين على حماية الوالد المادية ومكانته الاجتماعية، مستندين إلى جبروت ولاذعة لسان أمّهم في التوغل اكثر
وأكثر في ظلمات الرذائل وسوء الخلق، ولم يكن التدخين من وجهة نظر تلك الأسرة سوى تجربة سيقلعون عنها بعد
الارتواء، والتسرب من المدارس طيش، والعدوانية وسوء الخلق رجولة الأحرار كما يدّعي رقيدن وزوجته
واحسن العيال التخطيط للحصول على المال بأية طريقة واجادوا صيد السمك، والغوص
وبرعت البنات في النصب والاحتيال على الأهل والأقارب أوّلا، ثم أمتدّ شرّهن إلى نطاق أوسع
وبدأن باستعارة الحلي والملابس الثمينة من بنات العم والخال ثم يمنعنهن وينكرن ويجحدن
كان من المستحيل خلوّ مرفأ الصيد من وجود أولاد رقيدن في أي وقت من الأوقات، دائما ما يرى
أحدهم على الأقلِّ يصطاد السمك أو يسبح أو يبحث عن الأخطبوط في الوقت الذي يكون فيه عيال الناس في المدارس
أمّا البنات فكانت الاسواق لهنّ مستقرّا ومقاما، وقد اتقنّ التفاوض مع الخياطين وصاغة الذهب الذين يفصّلون لهن ما
يشتهين على أن يدفعن المال آجلا. إذ كن ذ يظهرن الصيغة المتزاحمة على سواعدهن، فيقتنع البائع بمقدرتهنّ على
السداد، وربّما انبهر بائع آخر بجمالهن الفاتن ولم يستطع مقاومة سحر العيون وعذوبة الضحكات وتراقص الأجساد
الريّانة، ولم تكن الأمّ تنزعج عندما ترى العباءات الجديدة أو المصوغات الثمينة، بل تسعد كثيرا عندما يشرحن لها
طريقتهن في النصب على المساكين وانكار حقوقهم عندما يطالبون بها.
وطبعا المتكئ على خزانة مال لا يخاف كثيرا، فكيف بعيال رقيدن وقد نال والدهم مكانة ومشيخة تحميهم من زجر
الزاجرين وتوبيخ الموبّخين وعتاب المعاتبين ونقد المنتقدين؟ أمّا القانون فإنّ محامي العائلة ضليع به
وهذا ما شجّعهم على تنفيذ أوّل عملية سرقة في وضح النهار، فلقد اختاروا قارب أحد الصيادين المساكين بحضور
صيادٍ آخر ضعيف الركن مجهول النسب، وعندما رآهم قد شرعوا بفكّ المحرّك البخاري تصدّى لهم
http://www.3rbz.com/uploads/1ee4d7030d782.jpg
فكان نصيبه عدد هائل من اللكمات والصفعات، ثم شكوى في مخفر الشرطة
وصُدِم الصياد المسكين عندما وجد الإخوة الأربعة، وقد مزّقوا ثيابهم وجرحوا أجسادهم بطريقة
توحي للناظر بأنّهم تعرّضوا لاعتداء وحشي، وعندما لمحه الشيخ رقيدن مقبلا هجم عليه قائلا:
جهُك قآور بن حِيرت لتغك تاو هُم؟ 1
واعتذر الصياد مجبورا، ورضي بالحكم العرفي الذي الزمه بدفع مبلغا من المال يعادل دية، فقبل مكرها
وكان نجاح عيال رقيدن في سرقة أوّل محرّك حافزا قويّا لهم على تنفيذ عمليات أكثر جرأة، أمّا عدم
مبالاة الوالدين بمصدر المال الذي يودعه الأبناء في البنك فكان إشارة لهم بالاستمرار والتقدّم
وإن حدث لا سمح الله وسأل أحدهما وهو طبعا لا يقصد التحقق بل من باب الثناء والتشجيع فإن الجواب هو:
خظطير بيس خَرْ 2
لم يكن الشيخ رقيدن يبالي بنصائح المخلصين، ولا بتعاليم الدين، ويعتبر كل من ناقشه بخصوص ابنائه خصما حاسدا
ومع مرور الأيّام لم تعد السيجارة تحسّن مزاج العيال، وجذبهم منظر المخدّر الجذّاب واغراهم
ما سمعوا به عن لذّته وخفّته وسرعته في تحقيق الانتشاء واحلام اليقظة. ومع انعدام الرادع
الخلقي والديني والعلمي سبحوا مع تيار الإدمان، وخانهم العقل الذي كبر معهم هذه المرّة
ولم يقوى على مكافحة الإدمان الذي أوصلهم إلى مرحلة الإتجار.
أما القريب الذي حاول تنبيه الوالدين إلى خطورة ما يمارسه العيال فكان نصيبه من الشيخ رقيدن التهديد
بتقديم بلاغ ضدّه ومن الوالدة سيل جارف من الشتائم والاتّهامات
وكان هذا التصرّف منهما كفيل بردع كل من أشفق عليهما وخاف على عيالهما وغار على سمعة
بناتهما اللاتي اشتهرن باسم الرباعي المهووس لدى أصحاب المحلاّت التجارية
والصاغة والخياطين

يتبع إن شاء الله



1 ـ الكلمات باللغة الشحرية، ومعناه: صبّحك قبرٌ ونحيرة، أقتلتهم؟
2ـ البركة في البحر











أبو مسلم الصلتي 23-01-2017 09:06 AM

أخي العزيز ناجي جوهر
قصة في غاية الجمال
وأهدافها سامية وراقية
تقبل تحياتي ودمت بود وخير

عباس العكري 24-01-2017 06:50 AM


زهرة السوسن 28-01-2017 12:16 AM

أستاذي، صاحب القلم الثري الرائد: ناجي جوهر، ما تكتبه يجبرنا على القراءة وحسن تتبع الأحداث، ونحن في شوق وترقب إلى المزيد من الحبكات الدرامية الراقية، وأجد هنا تطابق قول الشاعر مع محور هذه القصة وهو يقول:
ذا كان رب البيت بالدف ضاربا .. فما شيمة أهل البيت إلا الرقص!


الساعة الآن 11:17 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية