منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   النقد والكتابات الأدبية والسينمائية (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=14)
-   -   " حدقة القلب لحمود الحجري " للاستاذ الشاعر سماء عيسى (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=13906)

حمود الحجري 12-09-2012 11:37 AM

" حدقة القلب لحمود الحجري " للاستاذ الشاعر سماء عيسى
 
حدقة القلب لحمود الحجري

سماء عيسى
يناير 2012


تتسع حدقة على آخر مداها ، لترى ما يراه القلب ، وما تنطق به الروح ، وما تبكي عليه اللبب والضمائر .
لا ترى الحدقة ما رآه شكسبير في حكاية الشتاء : " أنت التقيت بما يموت ، وأنا التقيت بما يولد " .
إنها النقائض ، تفترق وتتحد ، مشكلة عمق تجربة الشاعر حمود الحجري .
تموت طفولة الشاعر وتولد مع موتها روح العدم والضياع ، تموت الشريشة والسدرة وتولد مع موتها أرصفة الإسفلت ، يموت الطين ويولد الإسمنت ، هكذا حتى نصل إلى موت الظاهر ، قرية الشاعر ، الذي يبدأ منها العالم ، وإليها أيضا ينتهي .
إلهذا يكون عنوان أفضل أعماله الشعرية : تتسع حدقة على آخر مداها ، والتي جاء صدورها مع آخر أعماله الشعرية : ممتلي بروح المغامر ، وكان قبل ذلك أصدر الشاعر باكورة أعماله الشعرية " الغرفة بلد 2007 م " ، والتي معها وابتداء منها نقرأ بداية إحساس الشاعر بيأس وصال مفقود مع العالم الجديد :
شفني ألفت الغياب ، وصرت معتاده
منفاي صار الوطن ، وانقلبت الصورة
خلال فات القطار ، ومر ميعاده
شاب الأسى في عيوني ، وسمقت دوره

هذا الغياب والمنفى الذي يجد له جذرا في الفضاء الرملي اللا متناهي الذي يعيش به الشاعر ، والذي وضعه على حافة بعيدة من الأسى ، هو ليس ذلك المنفى الجمالي الذي نقرأه لدى شعراء العزلة كسان جون بيس في قصيدته رمال ، أو كايف بونفوا في أمس سادت الصحراء . المنفى الرملي هنا مصدر ألم وأسى يتكرر في قصائد الشاعر مثلما هو أيضا في قصيدة : إلى المطلة من شرفة القمر :
وأنا ألقف ثلاثيني
وتسرقني طواحيني
من المنفى
رسالة للغزالة
دمعتين وحرقة ما تنطفي .

يعتمد الشاعر منذ بداية كتابته على الصورة الشعرية ، في بساطتها ورهافتها وعمقها في آن . لأنها تقدم تكثيفا للحالة الوجدانية التي يعيشها عاشق لم يعد العشق غير تحمل الجدب والفراق :
الشمس جلاد غليظ
والرملة الخرسا مسيح

الصورة الشعرية ثانية هي التي تلعب دور التجديد في الشعر الشعبي ، انطلاقا من تكثيفها للمعنى وارتباطها بالجذر المأساوي القادمة منه ، تذهب إلى ما هو ليس مألوفا في الوصف الشعبي ، وهو الشعر الذي يعتمد في التعبير على عناصر قديمة ومألوفة من متناول الشاعر وفهمه . عمق الصورة الشعرية لدى حمود الحجري هو الذي يذهب بقصيدته أعمق وأبعد من هذا المتناول المباشر لظواهر والأشياء .
ليس ثمة من صور مفتعلة مركبة ، الشاعر يمتهن البساطة مع العمق في تقديم تجربته ، يتحدث عبرها عن مشاعر حب وعشق يوجد من أناه إلى العالم ، العالم الذي كان متجسدا في صبية الحب التي رحلت عن عالمه ، عن معشوقة أو وطن أو أخ ميت .... الصور رغم بساطتها الموحية تأتي شفافة هادئة دون ضجيج ، ومتعاطفة كليا مع العالم الذي جاء منه الشاعر ، لذلك لا يحتاج الشاعر إلى الكثير من الكلام ، تأتي الجملة الشعرية مركزة مكثفة :
كنت أسمعك القصيد اللي كتبته
وكنتي من فرط السعادة
ينبت لقلبك جناح
وتنتبه ألوان جمة
يرقص الملح بعيونك
تشرقي بأجمل نشيد لطفلك
المحتاج زاد لرحلته .

بما لا يكون هناك ثمة رد على الإطلاق . بعد أن هجر الناس منازلهم الأولى وغدت الأرض حجارة صماء . وإن جاء الرد على نداءات الشاعر المكتنزة بالصراع الكثيف لمشاعر الفقدان ، يكون هنا مأساويا لأنه يستدرج مشاعر وذكريات بعيدة غائرة .
صوت الشاعر مكثف برومانسية تراجيدية حملها إليه الريف العماني الحزين . لذلك يعود الشاعر إلى الريف العماني الوديع كمكان لحمايته ، في مواجهة عالم الإسفلت والاسمنت . الجذور الريفية تمتلئ بذاكرة شاعر يرفض التخلي عنها وهو يراها أمامه تسقط ورقة تلو أخرى من أشجار الخريف . هذه الإشكالية الكبرى واجهت قبله شعراء عرب وعالميون . فترة التحولات هذه تشعل ثيمة الحنين إلى العالم الزائل في مواجهة العالم القادم خاصة وهو يحمل علاقات اغتراب تطحن العلاقات الحميمية التي تربى عليها الشاعر . هكذا واجه من قبله منافي المدن السياب وحاوي وحجازي وعبد الصبور وغيرهم . ولذلك أيضا نجد اقترابا حميميا بين حمود الحجري وشعراء الريف اللبناني متجليا ذلك في صوت فيروز الملائكي .
هذا المعادل الذي يحتمي بالطفولة في مواجهة عالم جديد ، يدرك الشاعر من خلاله يأس صراخه ، لأن عودته ثانية يستحيل إدراكها ، خاصة وان العالم ذاك ارتبط بالفقد والرحيل إلى الموت . فقط مفردات تلك الأيام البعيدة تعود مؤثثة مشهدا شعريا أخاذا يتسم بالحنين الفجائعي إلى الماضي .
ذلك هو ما يفتح أمام الشاعر طريقا إلى ثنائية أكثر ثراء هي ثنائية العشق / الموت . والثراء هنا لا يأتي من تضاد الثنائيات أو بفعل أن ثيمة ما تلغي الأخرى ، بل يأتيان كتوأمين متلازمين ، ذلك عطاء الحس الرومانسي الفجائعي المتدفق في المجموعة بأكملها :
تعال أضمك الضمة الأخيرة
قبل ما ألفظ أنفاسي وأسلم
تعال اسرع ترى اللحظة قصيرة
وأنا رجل ورا ورجل تقدم .

هي إذن حالة عشق صوفي تتجلى متمسكا بها الشاعر ، وهو في اللحظات الأخيرة من عمره . والتعبير عن دقة اللحظة وهو في انتظارها ، أي لحظة الموت ، يأتي عميقا ومؤثرا وحادا ، يخدم ذلك الصورة الشعرية الأخاذة التي تقفز من لا وعي الشاعر محتضنة في إيجاز شديد الكثافة الحالة الوجودية للشاعر في لحظات عمره الأخيرة :
على الباب أرهف الاذن لصريره
ونجمي ينقبر في بير مظلم

قصيدة الرثاء لديه تتحول إلى سرد ذكريات حميمة ، تدخل في تفاصيل تعود بنا إلى التجارب الشعرية الحديثة التي تركز حقا على المحسوسات كأرضية للانطلاق نحو تجديدات الشعر ، وهو في ذلك يرسم فضاءات هذا الألم ، ألم الفقدان الذي يراه في قفل الباب وفي اسمنت المنزل والنعال التي تركها وعصاه التي يتوكأ بها :
هذي عصاه
البارحة كانت تصيح
تكرس وجهها في الجدار
وبحنو يحضنها الجدار
بحنو وبصدره تصيح
واليوم من كثر التعب
من كثر ما ناحت عليه
نامت وغطت في سبات

الجملة الشعرية قصيدة مركزة متوترة وغنائية ، لا تسترخي في طول هادئ ، لان ذلك يفقدها جلال النواح المعتمد على إيقاع متتال وسريع .
دائرة الرثاء تتسع دائرة فأخرى ، مثل طفل يقف أمام بحيرة يرمي الحجارة بها ، مشكلة دوائر تتتالى حتى تغوص لاحقا بعيدة في الأرض . المحطة الأخيرة للرثاء هي الظاهر قرية الشاعر ، هي المرثية الأولى والأخيرة ، وما بين الحجرة الأولى والأخيرة تتناثر أحجار صغيرة تترامى هنا وهناك . مرثية الظاهر يعنونها الشاعر صلاة . رغم أن القصيدة موجهة إلى امرأة بدوية اللكنة ، إلا أن الحضور الأكثر جلاء يتجلى في أبيات القصيدة المتتالية كضربات موجعة في القلب ، والتي يتواصل فيها رثاء الظاهر المقترن برثاء المرأة :
الظاهر اللي أقفرت منها العصافير بغيابك
الظاهر اللي ما قوت تطعم طيور السعد حنطتها
الظاهر اللي بهتت الألوان فيها
الظاهر اللي ما بقى الأغنيات بزرعها سكر ....

والشاعر مع أنه يقدم الظاهر كنقيض لجحوف العالم ، متخذا منها الترس الأخير الذي يحميه من هجوم ضار يقتلع الأرواح والجمال ، إلا أنه يستدرك ملتفتا عندما يكتشف انهيار أسلحته الأخيرة ، وانضواء الظاهر في حزن تتلحف صمتها الأبدي :
حتى السكيك بديرتي
لي فضلت ..
الانزواء بحزنها
الالتحاف بصمتها
ما عادت المشباح
ذات السكيك اللي بتروي للصغار الأمثلة .

الشاعر يرفد تجربته الشعرية من أجيال شعرية مختلفة . لأنه لا صوت يأتي من الفراغ . يعود إلى قيس بن الملوح والمتنبي مثلما يعود إلى محمود درويش وأصدقائه العمانين كعبد العزيز الفارسي واسحاق الخنجري وزهران القاسمي وغيرهم . تجارب تأتي متسقة مع تجربته التي وقفت على أرضية من التأمل والعشق والرثاء . نضحت من الذاكرة الجمعية للموروث الثقافي الشعبي العماني ، لذلك لا يجد القارئ أو المتتبع للإبداع العماني أي غرابة عندما يقرأ عملا شعريا بأكمله يمتلئ بالمراثي وثيمات الغياب والهجر والفراق والموت . كأنه لا خلاص من جذور حفرت لها مكانا عميقا في تربة الشعر العماني وغذت الخيال الشعبي بدموع فراق لا تجف .
في لوعة وأسى حميمي يقف متأملا مغيب الزمن وأثره عليه وفراق الأحبة . الصوت المتجذر عميقا في الشعر العربي منذ الجاهلية ، البكاء الدائم على الأطلال ، والشعور العدبي بمضي الزمن واقتراب الموت :
ما تغيرتي
تغيرنا
تغضن جلد
وابيضت لحي
راح أكثر العمر
واقتربنا للمكان الأحدب الموحش
منتهى كل الخطى .




عطر 14-09-2012 04:25 AM

يالها من جدارية التصقت بجدار القلب فبكت وبكى القلب معها
بل وحق الله إنها لبكائية وأكثر
ويالهذا الشرح القاسي وكأنك تقرأنا فجعلتني أؤمن بأن أحلامي وآمالي التي أنتظرها .. وكأني شيعتها الآن لمسواها الآخير
فما النوى يا أنت إلا أرق وتفجيع وتنكيل وتحريق وقل ما شئت عنه فكل ماتقوله فيه حلال ورب الكون فما أقساك ياهجر وماأقساك ياالحبيب
أريد القرب وهذا محال أريد الهدوء وهذا محال لأنك بعيد في كبد السماء
أستاذي الفاضل حمود الحجري
سامحك الله يا أخي فقد ألمتني حقًا ليس من قراءة النص فحسب بل من هذا الذي قلته أنت، حقًا .. كم أنت رائع
تسمّرت كثيرًا عند أول كلمة ثم أكملت المسيرةة ببطء
أسعدتني وأمتعتني بقراءتك سيدي ولا أدري لماذا كتبتها ؟ أحسبها من أجل الخلود ... ولاعجب
تحية من القلب ودمت بكل ود واحترام أبدي
أعتقد أن هذا الموضوع يستحق القراءة بصدق

إبراهيم الرواحي 25-10-2012 04:31 PM

الله
على هذه القراءة الصادقة الجميلة العذبة


موضوع راقٍ فعلا

حمود الحجري 09-03-2013 10:09 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عطر (المشاركة 160170)
يالها من جدارية التصقت بجدار القلب فبكت وبكى القلب معها
بل وحق الله إنها لبكائية وأكثر
ويالهذا الشرح القاسي وكأنك تقرأنا فجعلتني أؤمن بأن أحلامي وآمالي التي أنتظرها .. وكأني شيعتها الآن لمسواها الآخير
فما النوى يا أنت إلا أرق وتفجيع وتنكيل وتحريق وقل ما شئت عنه فكل ماتقوله فيه حلال ورب الكون فما أقساك ياهجر وماأقساك ياالحبيب
أريد القرب وهذا محال أريد الهدوء وهذا محال لأنك بعيد في كبد السماء
أستاذي الفاضل حمود الحجري
سامحك الله يا أخي فقد ألمتني حقًا ليس من قراءة النص فحسب بل من هذا الذي قلته أنت، حقًا .. كم أنت رائع
تسمّرت كثيرًا عند أول كلمة ثم أكملت المسيرةة ببطء
أسعدتني وأمتعتني بقراءتك سيدي ولا أدري لماذا كتبتها ؟ أحسبها من أجل الخلود ... ولاعجب
تحية من القلب ودمت بكل ود واحترام أبدي
أعتقد أن هذا الموضوع يستحق القراءة بصدق


تحية لك عطر
وتحية كبيرة
بحجم الشمس
للكبير
سماء عيسى

سالم الوشاحي 09-03-2013 12:42 PM

أديبنا القدير حمود الحجري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحليل نقدي رائع أمتعتنا بالنص المخفي

ثراء راقئ ونقد متميز ....

شكراً لك على هذه القراءة الممتعه

سجل إعجابي وتقديري العميق

حمود الحجري 14-06-2013 10:14 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبراهيم الرواحي (المشاركة 165056)
الله
على هذه القراءة الصادقة الجميلة العذبة


موضوع راقٍ فعلا

ابراهيم

قراءة صادقة وجميلة وعذبة
بصدق وجمال وعذوبة
الاستاذ سماء عيسى


تقديري

محمود المشرفي 23-07-2013 02:38 AM

أديبنا القدير حمود الحجري
أشكرك على هذا الطرح الجميل والرائع
لك مني جزيل الشكر
ودي لك

حمود الحجري 04-11-2013 11:25 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود المشرفي (المشاركة 200222)
أديبنا القدير حمود الحجري
أشكرك على هذا الطرح الجميل والرائع
لك مني جزيل الشكر
ودي لك


العزيز محمود المشرفي
طرح جميل
ورائع
بروعة كاتب عمقه
الاستاذ والشاعر والسنيمائي
سماء عيسى

من هنا اوجه له
تحية كبيرة

شكري لك

حمود الحجري 04-11-2013 11:37 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم الوشاحي (المشاركة 181029)
أديبنا القدير حمود الحجري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحليل نقدي رائع أمتعتنا بالنص المخفي

ثراء راقئ ونقد متميز ....

شكراً لك على هذه القراءة الممتعه

سجل إعجابي وتقديري العميق


سالم الوشاحي
لست أنا عزيزي
لست أنا
لست
لست

انه الاستاذ
ســـــمـــــاء عيسى

أحد العلامات البارزة في شعرنا الحديث
بل في أدبنا العماني الحديث ككل

رجل له مساهمات كبيرة
وعمل دؤوب في سبيل النهوض
بالساحة الثقافية في البلد

انه القمر المكتمل
الذي لا يخفى على أحد



الساعة الآن 10:07 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية