منتديات السلطنة الأدبية

منتديات السلطنة الأدبية (http://www.alsultanah.com/vb/index.php)
-   القصة القصيرة (http://www.alsultanah.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   واستيقظتِ القرية (http://www.alsultanah.com/vb/showthread.php?t=22626)

جاسم القرطوبي 14-09-2016 06:20 PM

واستيقظتِ القرية
 


واستيقظت القرية بقلم؛جاسم القرطوبي.... تلك القرية النائية الجبلية كانت آية في الهدوء ومضربا للجمال ،بيوتها المكتظة ببعضها تشكل ريشة استعار الخيال منها بدائعه؛فروى من التآلف عن أناسها بديهيِّي الطيبة تماما كنقاء الطبيعة.فهناك البنات والأولاد يلعبون بالمراجيح ويترنمون كالعصافير،ويعودون والمساء قد ضمهم بسكينته.وفي هذه الساعة التي كاد الشارع يخلو من مرتاديه دوت صيحةٌ مريبة هرع الناس إليها فإذا بامرأة تغسل بدموعها جثةً لفتاة عشرينية مسجاة على الأرض . تسلل التذمر إلى جميع الحضور لدرجة أنهم ذهلوا عن الانشغال في الاسعاف بالشجب والاستنكار ،فأحدهم يقول : يا إلهي ما هذا الذي يحدث والآخر يقول : جثة أخرى،يالها من مصيبة كبرى،والثالث يقول : هذه الجثة العاشرة خلال شهر واحد،ويهمس آخر :بل هي اللعنة حلت على قريتنا فأبادت بناتنا الواحدة تلو الأخرى.وقطع وصول الشرطة تساؤلاتهم وجاء الضابط الغاضب يسبقه صراخه من بعيد : جثة أيضا ،جريمة أخرى ، فليثبت الجميع مكانه يجب أن أحقق معكم جميعا ثم أسجنكم جميعا قبل أن أخرج إجازتي واهنأ بها. تنهد شررا تكرارا ومرارا ، والناس لم تزل من الهول ذاهلة اللب ،ثم قال : أجيبوني،من كان حاضرا وقت وقوع الجريمة؟من أول من رآها ؟من..ومن..ومن .فجأة انفرج الحضور لصفين ، وسبقت عصا الرجل الستيني رجله ،والناس تحييه قائلة: أهلا سيدي حكيم القرية ، أهلا بك. ولما وقف أمام الضابط قال : مَنْ منا تظنه يفعلها يا حضرة الضابط؟جميعنا هنا أخوةٌ لهنَّ وأقارب ، يجب عليك أن تبحث عن الجاني من خارجنا حضرة الضابط المحترم. و بعد لحظات انطلقت صرخة طفل جاء راكضا من داخل القرية: الحقوا ،تعالوا،هيا...هناك فتاة نائمة في الشارع لا تتحرك ولا تتكلم .أسرع الضابط خلف الطفل وأشار لأفراد الشرطة أن يقوموا باللازم تجاه الجثة .وما أن وصل للفتاة الأخرى إلا وحركها ميمنة وميسرة فإذا هي جثة هامدة أيضاذ.وصل الحكيم و بقية الناس الذين فزعوا للمكان الذي أشار إليه الطفل وساد الصمت فنظر الضابط لحكيم القرية وقال : ائذن لي ولا تناقشني ،سأطلب قوة من المدنية وسنفتش كل بيوت القرية.غضب حكيم القرية ورفع صوته قائلا : ما هذا ؟ هل ستروع اللائذين في بيوتهم خوف القتل أنت أيضا ؟هل ستستبيح لمن تنجسوا بأوثان المدينة أن ينظروا لنسائنا المستورات في خدورهن؟.فقال الضابط:لا هذا ولا ذلك ، ولكنه الواجب سيدي الحكيم يحتم علي ذلك ، ثم لو تركنا الأمر على الغارب لاستمر شبح الموت يغتال نساءكم ويئد رجالكم،ورغم اللغط والغلط سجَّى الضابط الجثة وأمر من لحق به من أفراده حملها.غربت شمس ذلك اليوم ولون الدم ينعكس في السماء ، وتلألأت نجوم الضباطِ المحققين في القرية كلها ، دخلوا هذا البيت فتعالت الصرخات:عيب عليكم،تدخلوا علينا هكذا ، وخرجوا للبيت الثاني فتوالت اللعنات ،وطرقوا البيت الثالث والرابع ...كانت البيوت أشبه بالقبور من حيث انعدام مظاهر التواصل مع العالم الخارجي حتى الحمام الزاجل لم يعد يعشعش في تلك البيوت بالرغم أنها حرمت أكله. انبلج الصباح وسكت الصغار عن الصياح واستيقظت القرية من غير نوم على الضابط وهو يمسك فتاةً من يدها ويضعها أمام حكيم القرية.نظر الحكيم شزرا فقد كانت ابنته المدللة وقد حلت الأساور الحديدية يدها واستبدلت بالأساور الماسية،ودموعها تخضر منها قدماها وتحمر كالشمس وجنتاها .تلعثم لسان الحكيم ،حاول أن يفك القيود عنها ، بكى ، قال:ماذا ابنتي ؟ ابنتي.نظر إلى الضابط : لماذا ،لماذا تمسك بها هكذا؟ هاه ,,,قل ، أم أنك تتهمها بالقتل ؟ أنها ليلى يا حضرة الضابط لا الذئب.تبكي الفتاة ويعلو نحيبها ،فيرد الضابط : وكيف عرفت أنني اتهمتها بالقتل ؟.ينظر الحكيم إلى ابنته تارة وإلى الضابط وهو يمسك بابنته تارة أخرى وللناس ارتفعت جلبتها متسائلة ماذا يجري؟.ثم قال الحكيم : إذن ماذا؟فيرد الضابط:هذا هو السبب...ويخرج من جيبه هاتفا نقالا.فقال حكيم القرية:هاتف ، وردد الناس خلفه : هاتف ! هل هذا هو المنكر الذي حذرتنا منه يا حكيم ؟قال الضابط : منكر! ويحك يا حكيم ، ماذا تقول للناس ، وأي تخاريف تنقلها لهم ؟ وما الذي يقولونه ؟ تبكي الفتاة أكثر وأكثر ، فيسألها أبوها : من أين لك هذا المنكر ؟ قال الضابط : رجعنا على كلمة منكر مرة أخرى ؟ فردت البنت : يا أبتي اقتنيته من المدينة عندما كنت أدرس الصف السادس هناك ؟ صرخ الناس : أو سمحت لها بالدراسة أيضا ،وافضيحتاه؟ وما علاقة هذا المنكر بقتل بناتنا ؟ فأخذ الضابط الهاتف وتصفح ملفات الفيديو وأراهم مقطعا في جهازها فيه طقوس لعبدة الشيطان، ويظهر مشهدا وكلاما كيف تتقرب الفتيات بأرواحهن فداء إليه ودماءهن ،والناس يبكون حسرةً على من فقدوا من بناتهم وكيف لعبت هذه الكلمات الرنانة الجوفاء بعقولهن .قال الحكيم : ماذا ،هل تعبدين الشيطان وأنا إمام الجامع ؟ وكيف تستمعين لهذا الهراء ، والناس يدخلون الجنة بالاستماع لمواعظي،بالله عليك ، كيف دخلت هذه الثقافة لعقلك؟.وحال بين سؤال الحكيم وجواب ابنته عليه الدمع الذي امتزج بالدماء ،وكأن الطيور هاجرت أعشاشها وحل الشتاء فجأة واشتدت الريح بل كسفت الشمس حزنا قبل اكتمال بزوغها. نظر الضابط إلى الحكيم وربت على كتفه ، ثم صرخ بالناس قائلا: يا أيها الناس جعلتم العلاقة بينكم وبين رب العالمين حظر ومنع ونار ،وابتغيتم واسطة تعطيكم صكوك الغفران.ورأيتم التقوقع جنة ومدنية المدينة رمز الشيطان ، حتى إذا خرجت فتياتكم وشبابكم للدراسة فيها أو الزيارة شاهدوا حياة أخرى وحرية بلا حدود،فتمردوا على عاداتكم وخنقوا تقاليدكم رغم أن منبعها مصدر أصيل كامل وافٍ شافٍ.ثم توجه الضابط للفتاة بالسؤال : كيف اقنعت هؤلاء المراهقات بالانتحار ؟ فردت: قلت لهن عندما تنتحرن سيأتي فارس أحلامكن يخرجكن من بيئتكن التي سجنكن الزمان فيها فلم تعرفن التطور،وسترين حياة فيها الموسيقى يحيي أرواحكن كما تحيي السماء المَوات. هز الضابط رأسه وقال : هكذا إذن ،ثم أشار لشرطته : أن خذوها .والحكيم يبكي قائلا : لا ، أين تأخذون ابنتي ؟ لم يصغِ إليه أحد ،وأما الضابط فسار بضع خطوات ثم وقف وأطرق رأسه ثم التفت وخاطب الحكيم هازئا :لو الأمر بيدي
لسجنتك أنت،ثم سجنت هؤلاء من حولك حتى تعبدوا الله كيفما أراد لا كيفما شئتم.
انتهت

سالم سعيد المحيجري 14-09-2016 10:26 PM

الكاتب الغالي
جاسم القرطوبي

نص نثري ثري جدا وهذا ليس غريب منك
تقبل مروري

وفقك ربي دائما
وننتظر جديدك هنا

دمت بود.

زهرة السوسن 15-09-2016 10:37 AM

قصة رائعة بجمالياتها القصصية، الحدث، والحوار والشخصيات، والعقدة، ولحظة التنوير، وجاءت الأهداف واضحة المعالم، كل الشكر والتقدير، أخي جاسم.

جاسم القرطوبي 21-09-2016 12:36 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سالم سعيد المحيجري (المشاركة 260826)
الكاتب الغالي
جاسم القرطوبي

نص نثري ثري جدا وهذا ليس غريب منك
تقبل مروري

وفقك ربي دائما
وننتظر جديدك هنا

دمت بود.

شكرا لهذا


المرور


أستاذ

جاسم القرطوبي 21-09-2016 12:38 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عائشة الفزارية (المشاركة 260835)
قصة رائعة بجمالياتها القصصية، الحدث، والحوار والشخصيات، والعقدة، ولحظة التنوير، وجاءت الأهداف واضحة المعالم، كل الشكر والتقدير، أخي جاسم.

جميل


هذه القراءة


ودمت سيدتي

ناجى جوهر 21-09-2016 10:39 PM




السلام عليكم أيها الشاعر القدير والأديب الأريب الأستاذ جاسم القرطوبي
لا زال تصويركم البديع لطبيعة القرية الوادعة المتآلف ابناؤها الملهم الشعراء
والفنانين جمالها، مضرب المثل والذي ضمّنتم ديباجتكم الرائعة يقفز طربا وسرورا في خلدي
إنّه الجمال المحاط ببراءة ابناء القرية ذكران واناثا كبارا وصغارا، غير أن الأحداث المؤسفة
جلبت سحابة قاتمة مفزعة سلخت البهاء ونحرت الهدوء وابدلت بالسكينة صخبا
وبضحكات الصبايا عويلا. كل هذه المناظر التي رسمت ريشتكم المبدعة يتابعها القارئ مأسورا
باسلوب قصصي يثير الفضول ويطرح الأسئلة ويصوّر للقارئ نتائجا قبل ان يصل إلى السطر التالي
ولا شكّ أن القدرة على استثارة عاطفة المتلقّي وانفعالاته مهارة فائقة هي قمة نجاح الكاتب
فليس كل من كتب حظي بانتباه أو اهتمام المتلقّي، ولا يخفى هدف القصة الواضح الرامي
إلى تنبيه الناس وتعليمهم قيما وسوكا يحميان من الإنزلاق خلف الدعاية، واتفق معك تماما
أن الكثيرين يحيطون حقيقتهم بهالات مزيّفة من القدسيّة والتظاهر بالتواضع أو التديّن
أو ما شابه، لقد وثق أهل القرية بامامهم الحكيم, ولم يطرق الشك قلب أي منهم
وصدّقوه في كل ما أظهر واعلن من مظاهر الصلاح والتقوى، وتواصوا بطاعته وتنفيذ نصائحه
إلى أن اصبحت وامست: (بيوت القرية أشبه بالقبور من حيث انعدام مظاهر
التواصل مع العالم الخارجي حتى الحمام الزاجل لم يعد يعشعش فيها)

ولا يفوتني ان ابدى الاعجاب بقدراتكم اللغوية الرفيعة واستخدامكم الحكيم
للدرر العربية وسط موقف متوتّرٍ محير: (كانت ابنته المدللة وقد حلت الأساور الحديدية يدها واستبدلت
بالأساور الماسية،ودموعها تخضر منها قدماها وتحمر كالشمس وجنتاها ... أنها ليلى يا حضرة الضابط لا الذئب).

ولا بد من الإشارة إلى لمسات الكوميديا المزهرة وسط غابة الخوف والإرتباك:
(فقال حكيم القرية: هاتف، وردد الناس خلفه: هاتف ! هل هذا هو المنكر الذي حذرتنا منه يا حكيم؟
قال الضابط : منكر! ويحك يا حكيم، ماذا تقول للناس وأي تخاريف تنقلها لهم ؟ وما الذي يقولونه؟
تبكي الفتاة أكثر وأكثر فيسألها أبوها: من أين لك هذا المنكر؟ قال الضابط: رجعنا على كلمة منكر مرة أخرى؟).

تداخل لا يدع للقارئ مجالا لأن يملّ أو يضجر
وتختصر هذه الفقرة النموذجية البناء جميع معاني الندم والحسرة:
(وحال بين سؤال الحكيم وجواب ابنته الدمع الذي امتزج بالدماء وكأن الطيور هاجرت أعشاشها
وحل الشتاء فجأة واشتدت الريح بل كسفت الشمس حزنا قبل اكتمال بزوغها).

اعذرني سيّدي على الإستعانة بمفرداتكم البديعة، فهي أوضح واصدق
وما نطقتم به سيّدي من حكمة على لسان ضابط الشرطة جدير بأن
يعرض على كثير من خلق الله الذين تذهب وتروح بهم الشائعات
واجد القصة قد تطرّقت إلى كثيرٍ من المشكلات والهموم والهواجس
فهاجس الزواج باسط سطوته على عقول وقلوب الكثيرين من الشباب
سوى أعلنوا ذلك أم اخفوه. وهو حق طبيعي يعوق المال تحقيقه.
اشكرك ايها الشاعر القدير والأديب الأريب جاسم القرطوبي
راجيا تقبّل كلماتي بصدر رحب
وتقبّل تحيّاتي




الساعة الآن 07:20 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

جميع الحقوق محفوظة لدى الكاتب ومنتديات السلطنة الادبية