.... بخفة صعدت القطار، استويت في مكاني بعدما وضعت أغراضي .. أخذت كراستي كالعادة لأسجل حدثاً صامتاً ، تفاهة انفلتت من البشر، قبالتي فتاة أعتقد أنها جميلة ، شيء ما حرك عواطفي .. من تحت الأجفان كنت أسرق النظرات ، من تحت الملابس أعترض صدرها الممتلئ . نظراتها طائشة ، حركاتها مستفزة ، تبتسم وتتدلل .. بعيني شربت اللحظة ، بقلبي أحرقت الدم الدافئ ، فعرفت أن الحظ كشف عن وجهه ، وأخيراً ابتسم ، لكني تمنيت لو توقف عن ابتسامته .. أخاف أن أكــون صديقاً للحـزن الدائم ..؟
نظرت من النافذة ، عيناي تتابع هروب الأشجار خلف القطار، قلبي يرقص مع السراب .. عقلي يجس نبضات قلبها ، يدي اليسرى تتحسس جسمها الضائع .. وأنفي ينتشي بالعطر الفائض عن ملابسها ..
كان الفضاء يجري وراء القطار، والقطار ينسل بصعوبة من قوة الرياح . التفت إليها على حين غرة ، وددت أن أحمل لها سري ولو من تحت الأجفان ، لكني لم أجدها ..

الأخت الفاضلة ..والمبدعة المتألقة .. أمل فكر .. تحية طيبة ..
كلما استطعنا تفتيت الظاهرة الأدبية إلى / المبدع النص / و/ النص المتلقي / استطعنا أن ندرك العناصر المشتركة بينهما ، أي بين تفكير المبدع وتفكير المتلقي .. فإذا غابت هذه العناصر يكون تلقي النصوص الإبداعية أمراً مستحيلا .. نتخيل أن مبدعاً يوجد في جزيرة معزولة عن العالم ، لها مقومات الحياة كلها ، لا يستطع أن يبدع ، لأن لا يوجد من يقرأ لـــه ..
وهناك من يرى ( العالم اللغوي : ألكسندر بوتبنيا ) أن الكاتب / المبدع ينتج نصوصه الإبداعية دون أن يهتم بوجود أو عدم من يستمع أو يقرأ له ..
ويتماشى مع هذه الفكرة (فلوبير) حيث يقول : لست أبالي بوجود جمهور أو طباعة ..ولكني أومن بأن واجب الكاتب أن يكتب لنفسه قبل كل شيء ، وهذه الطريقة الوحيدة التي تمكنه من أن يكتب كتابة جيدة .. لكن ( أليكسي تولستوي ) يتعارض معهما حين يقول : أنا أعرف من تجربتي في الكتابة أن توتر النص الذي أكتبه ونوعيته يتوقفان على تصوري القبلي للقارئ الذي أكتب له .. وأقول : القارئ هو الذي يعمل على إحياء العمل الإبداعي ، ويجعله قابلا للحياة .. وكم من نصوص إبداعية بقيت نائمة في الرفوف بدعوى غموضها عليها حجاب بينها وبين القراء إلى أن يأتي قارئ يمزق هذا الحجاب فتحـيا من جديد ..
أختي المبدعة ، مصادفة عجيبة ، أتيت بهذا المقال للإفادة والاستفادة لأني منذ أيام قرأته في مجلة عربية ، فأحببت أن يكون تنويراً وتذكيراً للقراء الكرام ..
شكراً على قراءتك لهذا النص المتواضع ، اهتمام أعتز به .. شكراً على إثارة موضوع علاقة المبدع بالقارئ مما ينم عن حس أدبي متميز ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..